ثقافة

في مسرحية “مغامرة الطحان مع القط فهمان” المخرج عبد السلام بدوي: واقعية بأسلوب الغروتسك

بدا المخرج المسرحي عبد السلام بدوي راضياً عن عمله المسرحي الجديد الموجه للأطفال “مغامرة الطحان مع القط فهمان” والذي بدأ عروضه مع بداية العطلة الانتصافية ومازال مستمراً حتى الآن على خشبة مسرح القباني، وأكد أنه سعيد كمخرج لتفاعل الجمهور مع مسرحيته إلى درجة أن بعض الأطفال حرصوا على مشاهدتها أكثر من مرة، مبيناً أن توافد جمهور الأطفال بشكل كبير أذهله، موجهاً التحية لهذا الجمهور ولمهرجان مسرح الطفل الذي تقيمه مديرية المسارح والموسيقا بشكل دوري خلال عطلة المدارس، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن العمل نجح في ترك صدى ايجابي عند الجمهور.

فكرة عميقة وطرح مبسَّط
وبيّن بدوي أن نجاح “مغامرة الطحان مع القط فهمان” سببه فكرته العميقة وطرحه البسيط في تناول قيم الحب والتعاون والصدق وهي قيم أي مجتمع سليم، إلى جانب كونه عرضاً توفرت فيه عناصر العرض المتكامل على صعيد الموسيقا (سامر الفقير) والديكور (محمد خليلي) والإضاءة (بسام حميدي) منوهاً كذلك إلى الجهود الكبيرة التي بذلها الممثلون الذين أبهروا الجمهور بأدائهم على خشبة المسرح، منوهاً إلى أن نص “مغامرة الطحان مع القط فهمان” كُتِب بطريقة واقعية إلا أن بدوي ورغبة في التجديد على صعيد الشكل تجاوز هذه الواقعية ليقدم عملاً مسرحياً بأسلوب الغروتسك والمبالغة في الفعل والتصرف ولكن دون السقوط في مطب التهريج، معتقداً أن هذا التجديد في شكل ما يُقدَّم من أعمال يجعل جمهور الأطفال ينشدّ للعرض، مشيراً إلى أن خروجه من الأسلوب التقليدي إلى أسلوب الغروتسك ليس مغامرة في مسرح الطفل وإنما خطوة تحتاج لقليل من الجرأة عند المخرج ولممثلين يثق المخرج بهم وبقدرتهم على الوصول إلى برِّ الأمان في تقديم عرض جيد، مؤكداً أن العمل المسرحي عمل جماعي بامتياز على الرغم من إشارته إلى أن العمل المسرحي عندما ينجح يصفق الجمهور للممثل الذي يراه على خشبة المسرح، وحينما يفشل يحمّل المخرج أسباب هذا الفشل، معترفاً أنه كمخرج وناقد ومختص يغيب وهو يشاهد ما يسحر في العرض بفعل مدروس وطريقة أداء معينة، مع تأكيده على أن الناقد فيه يحضر في داخله في اليومين الأولين من العرض، وحين يطمئن إلى أن العرض وصل إلى بر الأمان يتنفس الصعداء ويغيب الناقد  ليستمتع كما يستمتع أي متلقٍّ.

خطاب مختلف
وليس كل مضمون يحدد الشكل الفني الذي سيُقدَّم فيه العمل المسرحي، فالمخرج برأي بدوي قد يلجأ لأسلوب فني مغاير عن المضمون حين يجيّر أسلوباً بعيداً عنه ليقدمه بالشكل الذي يناسب زمن عرضه، فعرض “مغامرة الطحان مع القط فهمان” عن نص “القط أبو جزمة” وهو مكتوب منذ زمن طويل بشكل واقعيّ إلا أنه كمخرج استطاع أن يخرج به من الواقعية الكلاسيكية ليقدمه بلغة فنية تناسب هذا العصر، مستخدماً فيه على صعيد الشكل الفني تقنيات حديثة لتقديم خدع بصرية، منوهاً بدوي إلى أن المخرج لا ينجح بذلك إلا إذا كان متأكداً من أدواته وقدرته على الانتقال من أسلوب إلى آخر دون الوقوع في مطبات وعثرات تُحدِث خللاً في العرض، وتحقيق هذه المعادلة برأيه يحتاج إلى مخرج متعاون وعلى معرفة تامة بنفسية وسيكولوجية الطفل الذي يتمتع بخيال واسع، موضحاً بدوي أن طفلنا يعيش أيام الحرب منذ سنوات طويلة، وهو كمخرج يدرك حاجته للغة خطاب مختلفة وأن المرحلة الحالية التي يعيشها طفلنا هي مرحلة ارتدادات الحرب الاجتماعية والنفسية التي فرضت عليه تقديم عمل مسرحي بمضمون وشكل معينين انطلاقاً من إيمانه أن مهمة المسرحيين اليوم على الصعيد الثقافي والفني هي استدراك ما يحصل من خلال تعزيز قيم المجتمع السليم كالصدق والحب والتعاون من أجل بناء مجتمع صحيح، وهذا ما جعله يؤكد على هذه القيم في مسرحيته ومحاولة إيصالها بطريقة صحيحة لترسيخها في نفوس أطفالنا للخروج بهم من حالة الحرب والدمار، موضحاً أن كل مرحلة تفرض على المخرج متطلباتها على صعيد مسرح الطفل، فاليوم وفي عصر السرعة والتكنولوجيا من الخطأ برأيه تقديم القصص والحكايات كما هي والمفروض تقديمها بصورة جديدة وبلغة تشبه لغة عصرنا، وهذا يعني أن التجريب المبنيّ على المعرفة أمر مشروع بالنسبة لأي مخرج.

شعارات رنانة
آمن بدوي -وهو الذي انحاز منذ سنوات طويلة لمسرح الطفل- بموضوع التخصص في هذا النوع من المسرح، خاصة وهو يرى أن حقوق الطفل في عالمنا مهدورة، وهو ككائن مغيَّب عن أولوياتنا، لذلك اتجه إليه للارتقاء به وتوعيته لأن التجربة أثبتت أن الطفل الذي يخضع لتربية صحيحة وسليمة قادر على حماية بلده والدفاع عنه، لذلك كان من الضروري برأيه أن يتوجه له من خلال المسرح لإيصاله إلى المكان الصحيح إيماناً منه بأن المسرح يُغني شخصية الطفل ويعزز ثقته بنفسه بعيداً عن النظرة الدونية له من خلال المسرح على أنه كائن مستقل له حياته ورأيه، فبمقدار تنميتنا لهذه الشخصية نبني إنساناً بطريقة صحيحة.. من هنا يميل بدوي للتخصص في مجال مسرح الطفل حتى لا يستباح من قبل مَن يجهل نفسية الطفل ولأن نتائجه مسرح يدمر نفسية الطفل بدلاً من الارتقاء بها، آسفاً بدوي لأن الحديث حول الطفل وحقوقه وأهمية التوجه إليه في مجتمعاتنا ما زال تنظيراً أكثر بكثير مما يُنفَّذ على ارض الواقع وهذا ما يفسر أن طفلنا ليس بالمكانة التي من المفترض أن يكون فيها، فالجميع مقصر اتجاهه، مشيداً بدوي بتجربة مهرجان مسرح الطفل الذي حوّلته مديرية المسارح إلى تقليد سنوي وقد بات اليوم حدثاً مهماً في حياة أطفالنا في ظروف استثنائية يعيشونها، مبيناً أن استمراره سيؤسس لجمهور مسرحي يؤمن بأهمية وضرورة المسرح في حياتنا، لذلك يطالب المخرج عبد السلام بدوي بتطويره لقطف ثماره مستقبلاً، متمنياً من وزارتَي التربية والثقافة خلق شراكة حقيقية لتعزيز مفهوم المسرح في حياة أطفالنا لبناء مسرح طفل صحيح من خلال الاهتمام بالمسرح في جميع مدارسنا لأن مسرح الطفل ما زال يعاني من تقدم بطيء، والسبب برأي بدوي أنه مسرح لا يتمتع باستقلاليته على الصعيد الإنتاجي على الرغم من أنه مسرح مُكلِف إنتاجياً لأن عناصر الإبهار فيه أمر ضروري، وهذا لا يتحقق إلا بوجود ميزانية خاصة به، وهذا ما يفتقد إليه اليوم.
يُذكَر أن مسرحية “مغامرة الطحان مع القط فهمان” من إعداد عصمت إسماعيل ومن تمثيل : أسامة جنيد، غسان الدبس، آلاء عفاش، روجينا رحمون، مؤيد الخراط، إنانا الراشد، محمد سالم.

أمينة عباس