فيلم (نبراسكا) البحث عن سر الحياة
(وودي جرانت) رجل عجوز مدمن كحول مصاب بالزهايمر يخوض رحلة طويلة مع ابنه الشاب من ولاية “مونتانا” حتى “نبراسكا” بحثا عن جائزة وهمية قيمتها مليون دولار، الابن يدرك عبثية الرحلة لكنه يخضع لرغبة والده الباحث عن معنى لسنوات حياته الأخيرة .
يستخدم المخرج الكسندر باين الأبيض والأسود ويختار الثمانينات زمنا لأحداث فيلمه لتناسب الحبكة الدرامية لقصته بعيدا عن عصر (السوشال ميديا)، حيث يستعرض خلال الرحلة في لقطات واسعة المزارع والحيوانات بداخلها وعلامات الطريق والفنادق الصغيرة والكنائس، كتعبير عن رحلة فيها إيقاظ لذكريات رجل يذوي.
يعرّج الشاب مع أبيه على مدينة صغيرة كانت مسقط رأس الأب ومكان نشأته ومغامراته في الحياة وزواجه، يقيما لعدة أيام في منزل العم ويتواصل خلالها العجوز مع مجايليه وأصدقائه القدامى وبعض أقربائه. الطريف أن الجميع يصدق أوهام الميكانيكي السابق المفلس الذي غادر بلدتهم منذ زمن بعيد بأنه كسب مليون دولار في اليانصيب وصار ثريا، ما أدى لوقوعه في مشاكل كثيرة نتيجة رغبة بعض أقربائه وأصدقائه استغلال هذا الثري المحدث، وبذلك يحاول المخرج كشف بعض الطبائع الإنسانية وتناقضاتها أمام الثروة حيث يتآمر عليه صديق قديم وابنا أخيه لسرقة ورقة اليانصيب، لكنهم يلقون بها إلى الشارع حين يعرفون أنها مجرد دعاية لشركة تحاول كسب زبائن والترويج لبضاعتها من خلال إدخالهم في مسابقات اغلبها وهمية وخادعة.
الابن المدرك لدوافع والده في البحث عن المال (يحلم بشراء سيارة بيك آب وكمبريسة وترك الباقي لعائلته بعد موته…)، يحقق لأبيه حلمه كتعويض عن جائزة وهمية، حيث يستبدل سيارته بسيارة بيك آب ويشتري أيضا مضخة بدلا من القديمة التي سرقت، ويطلب من أبيه أن يقود السيارة أمام سكان البلدة الصغيرة متباهيا بنفسه، فالابن حقق لوالده حلما صغيرا بعد خيبة أمله بالجائزة، فعاد التألق للعجوز وهو يقود البك آب وينظر بفخر إلى الوجوه المندهشة في قريته الصغيرة.
يتميز الفيلم بإيقاعه الهادئ المناسب لحلم رجل عجوز خرف، فتغوص الكاميرا عميقا في المجتمع الأمريكي لكشف العلاقات الإنسانية الحقيقة خاصة تلك المشاعر المختلطة بين الآباء والأبناء، والفيلم مفعم برؤى وأفكار إنسانية بليغة الإشارات والدلالات، فالمخرج استخدم مفردات وتفاصيل ساهمت في حياكة بناء جمالي ودرامي بالاستناد إلى حكاية بسيطة ترويها لنا الكاميرا بعفوية وحميمية مع أداء متميز وإحساس عال من قبل الممثل بروس ديرن، الفيلم يحاكي أفلام ستينيات القرن الماضي الكلاسيكية وأفكارها الحياتية البسيطة التي تصاحب مشاهدها موسيقى ريفية معبرة تؤجج إحساسنا بالجمال وبروعة الطبيعة، من ناحية ثانية نجح المخرج في تقديم فيلم اجتماعي موشى بالكوميديا ومشوق رغم إيقاعه البطيء وحافظ ببراعة على توتر ممتع متصاعد طوال مدة الفيلم (115 دقيقة)، وأضفى اللونين الأبيض والأسود إحساساً بالقدم مع لمسة حزن شاعرية ساهمت بإعطاء الفيلم بعده الإنساني بقالب جمالي ملفت…
الفيلم من إخراج الكسندر باين وسيناريو بوب نيلسون إنتاج عام 2013 وهو من بطولة بروس ديرن وويل فورت.. ترشح الفيلم لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي 2013 . وفاز الممثل ديرن بجائزة أفضل ممثل في هذا المهرجان.. (عرض الفيلم ضمن مهرجان أفلام حديثة الذي تقيمه المؤسسة العامة للسينما في دار الأوبرا بدمشق).
أحمد خليل