ثقافة

“الأبطال الخارقون” شركات مختلفة ونهاية واحدة

تشكل الكومِكس (كتب الرسوم المتحركة أو الهزلية) ثقافة عابرة للقارات، ومادة تجارية دسمة في كثير من البلدان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. كما تمثّل أساطير عصرنا الحالي، وعلى الرغم من بداياتها المتواضعة على الورق منخفض الجودة، تطورت لتصبح قوّة ثقافية فعالة اقتصادياً جداً، ومع تقدم تكنولوجيا صناعة الأفلام وتحويل العديد من شخصيات هذه الكتب إلى أبطال في شاشات السينما العالمية، كان لزاماً اشتعال حرب شرسة بين الشركات المنتجة لها للتسويق لبطلها أو أبطالها الخارقين.

وأهم شركتين عالميتين تنتجان هذا النوع من الكتب والأفلام “مارفِل” و”دي سي” الأمريكيتين. حيث تشكلان ما يقرب من 45٪ و33٪ من هذه الصناعة على التوالي. وعلى الرغم من اختلافاتهما، تمكنت كلتا الشركتين وبنجاح من حجز مكان خاص في قلوب وعقول الجمهور بالإجابة على الأسئلة التي لطالما شغلت أذهان متابعي هذه الأعمال، ماذا أفعل عندما أجد نفسي في موقع سلطة وقوة؟ وكيف سأرشد نفسي؟ أو كيف أقود الآخرين بشكل فعال؟ وكيف أكون قدوة حسنة؟ وهل هذا هو أفضل ما يمكنني فعله؟

انعكاس الـ”كومِكس” على صناعة السينما

وعند كل إصدار لكتاب أو إعلان عن فيلم جديد يتسارع المعجبون من كل أنحاء العالم للحصول على أصغر وأدق التفاصيل حوله. لكن هذه الأيام يشكو الجميع بما فيهم النقاد، وجعاً واحداً وهو التشابه والتقارب الكبير بين جميع هذه الأعمال، رغم اختلاف وتنافس الشركات المنتجة.

اليوم وبعد إطلاق مجموعة من أفلام “السوبر هيرو”، وعلى رأسهم فيلم “ثور” الجديد (يحتل المرتبة الرابعة في البوكس أوفِس بعد أكثر من 3 أسابيع على إطلاقه) من إنتاج مارفِل وفيلم “جاستس ليغ”(يحتلّ حالياً المرتبة الثانية بعد أسبوع من إطلاقه) من إنتاج دي سي، تشتعل السجالات على مواقع التواصل الاجتماعي بين من يؤكد فشل الأفلام الأخيرة التي اتبعت نفس نمط فيلم “باتمان فيرسس سوبرمان”، الفيلم الذي علقت عليه آمال كبيرة وصرفت لإنتاجه والترويج له الملايين ولاقى نهاية مزرية على شباك التذاكر وتحت أقلام النقاد، وبين من يناصر أيّ عمل ينقل بطلاً من كتاب إلى فيلم لحبّه وشغفه اللّامحدود بهذا النوع من الأعمال.

أخرج فيلم “جاستس ليغ” جوس ويدون، مخرج سلسلة “ذي أفينجرز”، بعد اعتذار زاك سنايدر مخرج “باتمان فيرسس سوبرمان وأيرون مان و300” لأسباب شخصية. ويلاحظ من الإعلان الترويجي للفيلم الذي تنتجه شركة “دي سي” أن ويدون مبدع المسلسل الأمريكي الشهير “بافي ذا فامباير سلاير”، اعتمد على أسلوب عرض مشابه كثيراً لذلك المتبع في الأفلام التي تنتجها شركة “مارفِل”. صحيح أن حوارات أبطال “جاستس ليغ” لا تزال تتسم بالغضب عند صراعهم مع أعدائهم وهم مرتدون أزياءهم الجذّابة، لكنّهم أيضاً أصبحوا فكاهيين ويمارسون يومياتهم بدرجة متماثلة مع أبطال مارفِل. فلوهلة نظنّ أن الرجل الحديدي (أنجح شخصيات مارفل سينمائياً وقام بدوره روبرت داوني جونيور) سيظهر مع أبطال “جاستس ليغ” ليحلقوا جميعاً في كون مارفِل.

ظهر باتمان في فيلم “باتمان فيرسس سوبرمان” قلقاً ثقيلاً على الشاشة وأقلّ جاذبيةً لدرجة أننا إذا صادفناه في الطريق كنا تجنبناه. ولكن في فيلم “جاستس ليغ” هو كالكوميدي. وكأن هذه الأفلام أصبحت تتمحور حول الاستعراض والفكاهة أكثر منها حول البطولة والأخلاق، تلك القيم التي أرست أساساً دعائم هذه الشخصيات في عقول أجيال متعاقبة. وطبعاً لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات، كوعظ معشوق الأمريكيين “كابتن أمريكا” بجملة مثيرة للاهتمام قالها في فيلم “وينتر سولدجر”، “تشهر مسدساً فوق كل شخص على الأرض وتقول إن ذلك للحماية؟ هذه ليست حريّة، هذا خوف”.

وعلى الأرجح إن أسوأ سخرية يمكن أن ترافق أساطير الكومِكس هي رسائلهم التي أصبحت أقل مثالية وأكثر تعبيراً عن مخاوف مجتمعاتنا، وكراهية الأجانب والخوف غير المعقول من مواجهة التغيير. كان يا مكان في قديم الزمان سالف العصر والأوان “كومِكس” تحاول خلق أفكار أفضل لمستقبل أكثر إشراقاً.

والآن مثل معظم الميديا المنتشرة، وربما مثل عالمنا الحقيقي، هي مليئة بعوالم الظلام والدمار، وإلا ما الذي يفسر العنف البشع والشائع جداً في الكومِكس اليوم؟ وكيف يمكن أن نفسر الأحداث الهزلية للحرب الأهلية في مارفِل؟ (أفينجرز: سيفيل وور). فالأبطال الخارقون أكثر ميلاً لقتال بعضهم البعض من محاربة الأشرار.

يبدو في الوقت الحاضر، أن الربح هو القانون المسيطر في شركتي دي سي ومارفِل، وإذا كنا نبحث عن نهاية سعيدة، يجب أن يأتي من العقول التي تتذكر الشعور المذهل الذي كان يرافق إصدارات الكومِكس الجديدة في سنوات خلت.

شركات بديلة

من الجيد أن هناك الكثير من القادمين لهذه الصناعة والحريصين على استغلال الركود الذي خلفه الاثنين الكبار. وعلى الرغم من يحاول البعض من محبي تلك الشركتين تسخيف الأعمال البديلة وكأنها ليست بجودتها، إلا أن هذا وببساطة غير صحيح وغير ناجح. ربما بدأت بعض الأعمال بداية متواضعة لكنها تطورت اليوم لتصبح جيدة من حيث الصورة والتصميم وجودة القصة.

وأهمّ ثلاث شركات بديلة منتجة لأفلام الكومِكس، فاليانت إنتِرتينمنت (1989) وإيمِج كومِكس (1992) وبلاك هورس (1986) وتمكنت هذه الشركات من حجز مساحة ولو هامشية على مرّ الـ 30 سنة الماضية. وتتنافس كل من شركتي إيمِج كومِكس ودارك هورس على مركز ثالث أكبر ناشر لكتب الكومِكس. وأشهر أبطال الشركتين، سبَون لإيمج كومِكس وستار وورز لدارك هورس. فأطلقت شركة فاليانت إنتِرتينمنت مؤخراً منتجاً جديداً أسمته (4001 بعد الميلاد) وتبدو العينات الأولية مشجعة للغاية.

وطبعاً لا يمكننا أن ننسى الشركات الهوليودية العملاقة والتي كان لها دمغتها القوية في عالم الأبطال الخارقين، كـ”فوكس” التي أنتجت سلسلة “ذا ميوتنتس” و”سوني” التي أنتجت سلسلة “سبايدر مان”، هذه السلاسل التي تعتبر ناجحة على شباك التذاكر.

إنّ استنساخ النماذج الناجحة في هذه الصناعة، له عيوبه وقد تكون أضراره أكثر تأثيراً وصدىً من نجاحه. ويتمثل التحدي الذي تواجهه شركات إنتاج هذه النوعية من الأفلام، في إنتاج أفلام تسافر فيها إلى مناطق مظلمة من عقل المشاهد يخاف دخولها منافسوها، وإلا أصبحت جميع أفلام الأبطال الخارقين دعابة كبيرة متشابهة.

سامر الخيّر