ثقافةصحيفة البعث

موسيقا كشيشتوف بينديريسكي وأفلام الرعب

“أصوات عويل في أذني ترتفع دون صوت.. تندفع نحوي محطمة الفراغ”

قصيدة رثاء ضحايا هيروشيما للشاعر الياباني سانكيشي توغي التي ارتبطت بموسيقا المؤلف البولندي كشيشتوف بينديريسكي، الذي توفي منذ أيام بعد معاناة مع المرض. وتعد رائعة بينديريسكي وهو من أشهر قادة الأوركسترا والمؤلفين الموسيقيين المعاصرين في القرن العشرين في الموسيقا الكلاسيكية الأكاديمية، وقد ارتبطت أكثر مؤلفاته بتأليف أعمال مستوحاة من وصف  الكوارث التي حلت في العالم في القرن العشرين، فأثار العمل الأوركسترالي الوتري لضحايا هيروشيما المتصف بتناغم موسيقي مع الوقفات الصاخبة الحادة المعبّرة عن الحدث الرهيب الذي ألّفه بين عامي 1960-1961 انتباه كبار المخرجين في العالم، ووجدوا في أبعاده اللحنية ووقفاته ضالتهم المنشودة، فوظّفوها درامياً في أفلامهم العالمية، ومنهم المخرج العالمي ستانلي كوبرك الذي اعتمد على موسيقاه في فيلم الرعب  الشهير “البرق”، وأضاف موسيقا ضحايا هيروشيما على مشهد الجريمة، فارتبط المشهد الإجرامي بالهجوم الذري الأمريكي على اليابان الذي ترجم صوت الطائرات وصفارات الإنذار وانفجار القنبلة والدمار والقتلى والفوضى.

وتتالى استخدام أعماله الموسيقية في أفلام الرعب والجريمة مثل فيلم الأرواح الشريرة للمخرج وليام فريدكن، وفيلم الجريمة الحياة البرية في القلب للمخرج ديفيد لينش الذي اختار موسيقاه المخيفة والمتأججة مع مشاهد المطاردة وتنفيذ الجريمة وغيرهم.

ولم تقتصر موسيقاه على التعبير عن الكوارث والدراما السينمائية، فمن مؤلفاته الشهيرة عمله “الآلام” وهو عمل ديني إنشادي يستحضر آلام السيد المسيح المستمد من الكتاب المقدس بعد أن أضاف إليه أناشيد دينية أخرى. إلا أن عمله الأضخم تمثل بالقداس الجنائزي البولندي الذي يشبه عمل موزارت ويحمل خصوصية محلية كتبه بالثمانينيات وفق قواعد الموسيقا الكلاسيكية. وتأخذ أعماله شهرتها من تحرره من قواعد الشكل من حيث التأليف واختيار الآلات والحركات الموسيقية، فاشتهر بتأليف مقطوعات لموسيقا الحجرة “رباعيات وتريات وأعمال لآلتين أو آلة واحدة” إضافة إلى تلحينه عدداً من الأناشيد الدينية وكتابته الأعمال الأوبرالية والسيمفونيات والكونشرتات.

ولد بينديريسكي في عام 1933 في مدينة ديبيسا في بولندا وتعلم العزف على الكمان والبيانو منذ صغره، ثم درس في الكونسيرفاتوار وأكاديمية الموسيقا في كراكوف. وفي عام  1959فاز بجوائز المؤلفين الموسيقيين الشباب في وارسو، وحصل على أربع جوائز”غرامي” آخرها في عام 2016. كما عمل مع كثير من الفرق الأوركسترالية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه لم يحقق شهرة بقيادة الأوركسترا لأعمال غيره مقارنة بقيادته الأوركسترا لأعماله، ومنها كونشيرتو الفيولا بقيادته أوركسترا كراكوف السيمفونية. وقد صنفه النقاد بأنه من أكثر الموسيقيين تأثيراً في القرن العشرين إذ تمتع بقدرته على الابتكار وتعاون مع موسيقيين في مجال الروك والموسيقا الإلكترونية، التي شهدت حضوراً في المشهد الموسيقي المباشر في الأمسيات وفي مجال الموسيقا التصويرية الدرامية، فأصدر في عام2011  ألبوماً مع جوني غرينوود عازف الغيتار الرئيس في فرقة”راديوهيد” ومع مؤلف الموسيقا الإلكترونية وافيكس توبن.

ومن أقواله الشهيرة “أنا سعيد بأن عوالم موسيقية مختلفة تمكنت من التلاقي، وتمكنتُ أيضاً من الالتقاء بهذا الجمهور الشاب المتحمس”.

ملده شويكاني