تحقيقاتصحيفة البعث

حصة الفرد من السمك أقل من كيلو غرام رغم توفر البحر والنهر.. ما هي الأسباب والحلول؟

وائل علي

يتساءل كثير من السوريين عموماً وأبناء البحر وجيرانه الساحليين على وجه الخصوص عن أسباب فقر غذائنا السمكي الذي لا تتعدّى حصة الفرد منه الواحد كغ سنوياً -إن حصل- وغلائه الذي يجعله حكراً على فئة “السوبر ستار” من أبناء المجتمع، ما أدّى لانتشار عوز اليود والأوميغا ثري اللتين تتسبّبان بأمراض الغدة الدرقية واضطرابات في النمو وقلة التركيز وتفشي حالات التقزم بين أبناء الجيل الجديد اليافع وضعف المناعة والعديد من الأمراض.

المؤسف المحزن أن لدينا بحراً ومياهاً إقليمية ودولية كان من المفروض أن تكون -وفق قاعدة رزق البحر بحر- ملاذنا ومخلصنا ومهربنا من الغلاء الفاحش والحاجة والعوز الغذائي، ولاسيما المتعلق منها بالبروتين الحيواني أسوة بدول مجاورة عربية وأجنبية نتشاطأ معها ذات البحر والشطآن والجغرافيا والتضاريس والجروف الصخرية والأعماق والتيارات والخلجان والرؤوس البحرية والطبيعة والمناخ، ما عدا الإدارة التي هي رأس الحكمة في تدبر أمر البحر ومنتجاته ومخرجاته وكيفية تعاطيها مع هذه الثروة!.

لن نذهب بعيداً أكثر من ذلك ونتوقف عند هذا الحدّ لنترك للهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية الإجابة على جملة تساؤلات وضعناها بين يدي مدير فرع المنطقة الساحلية بطرطوس الدكتور علاء الشيخ أحمد، لعلها تقنعنا وتفيدنا وتوصلنا جميعا لماذا نحن فقراء سمكياً؟!.

تحديات ومساعٍ

بداية، لم يخفِ أحمد الصعوبات والتحديات التي تواجه الثروة السمكية وتعيق تطورها مثل الصيد الجائر والتلوث والتغيّرات المناخية وتداعيات الأزمة التي مرّ بها البلد التي أثرت على البنية التحية لمنشآت الثروة السمكية وحدّت من نمو هذا القطاع، ولكن على الرغم من التحديات والمعوقات، لفت أحمد إلى وجود زيادة في الإنتاج الكلي للأسماك في سورية من (المزارع، والسدود، والصيد البحري)، حيث تمّ إنتاج (4561) طناً عام 2019 ووصل إلى (12603) أطنان عام 2023 أي إلى ما كان عليه قبل الأزمة، مشيراً إلى أن الهيئة تسعى لمضاعفة الإنتاج خلال السنوات القادمة لاتخاذ عدة إجراءات لحماية المخزون السمكي في المسطحات المائية وزيادة إنتاج الإصبعيات، ووضع القوانين الناظمة للصيد البحري للحفاظ على الثروة البحرية وتنميتها.

أين المشكلة؟

ورداً على سؤال حول أسباب فقر بحرنا ومياهنا الداخلية بالثروة، بيّن مدير فرع المنطقة الساحلية أنه بالنسبة للمياه البحرية السورية، هناك عدة أسباب طبيعية تجعل المياه البحرية السورية فقيرة بالأسماك البحرية، منها قصر الساحل السوري البالغ 183 كم فقط، إضافة إلى ضيق الرصيف القاري، وهو بحدود 3 – 8 كم أحياناً، ولمسافة نحو 20 كم في الحميدية (جنوب طرطوس)، في حين يصل عرض الرصيف القاري لكثير من الدول الغنية بالأسماك إلى أضعاف ذلك.

ومن الأسباب أيضاً ندرة الخلجان الطبيعية وقلّة التيارات البحرية والأنهار المحمّلة بالطمي والمواد الغذائية، أما بالنسبة للمياه العذبة، فبيّن أحمد أن قلة الأسماك فيها يعود إلى الصيد الجائر، وعدم الالتزام بفترات منع الصيد، وضعف الاستثمار في مجال تربية الأسماك، وارتفاع تكاليف التربية، بالإضافة إلى خروج عدد كبير من المزارع والمسطحات المائية من الاستثمار نتيجة تخريبها أو هجرها أثناء السنوات الماضي جرّاء الحرب.

تذليل الصعوبات 

وحول المطلوب لتجاوز هذه المشكلة وزيادة الإنتاج، أشار أحمد إلى أن الهيئة قامت بعدة إجراءات، من أهمها التوسـع في إنتاج إصبعيات أســماك المياه العذبة لتأمين الاحتياجات المتزايدة من الطلب عليها من خلال تأهيل المنشآت والمزارع، وكذلك توسيع تجارب الاستزراع المكثف للأسماك في الأقفاص العائمة ضمن مواقع الهيئة، وتشجيع الاستزراع المكثف للأسماك في الأقفاص العائمة لدى القطاع الخاص، إضافة إلى التوسع في استثمار المسطحات المائية أفقياً من خلال زيادة عدد المسطحات المستزرعة والمؤجرة، وإقامة  مفرخ أسماك بحرية، وكذلك إنشاء حيد بحري صناعي عبر وضع الآليات والهياكل المعدنية المنسقة لتأمين موائل بحرية مناسبة للنمو والتكاثر، والعمل على تعزيز نقاط الحماية بما يساهم بزيادة مراقبة المسطحات المائية البحرية والعذبة، وغير ذلك من الإجراءات الأخرى التي تساهم في زيادة الإنتاج وتحسين دخل الصيادين.

ما هي الخطة؟

وفيما يتعلّق بخطة الهيئة بزيادة حصة الفرد من السمك والتي تقلّ عن 1 كغ في العام، وكيفية الحدّ من ارتفاع أسعار الأسماك، قال أحمد إن الهيئة تعمل وفق الإمكانيات المتاحة على النهوض بواقع الثروة السمكية وبجهود كبيرة من خلال تأمين جزء من حاجة أصحاب المزارع الخاصة ومستثمري السدود من الإصبعيات بأسعار مناسبة، حيث تمّ بيع 1508000 إصبعية بوزن 28186 كغ لعام 2023، وكذلك العمل على نشر ثقافة تربية الأسماك عبر توزيع الإصبعيات المجانية على المواطنين مالكي خزانات السقاية خلال السنوات الأربع الماضية والتي لاقت نجاحاً كبيراً على صعيد نشر ثقافة تربية الأسماك في المياه العذبة، إضافة إلى متابعة الموافقات التي منحت لإنشاء مزارع أسماك بحرية، وتأهيل المنشآت والمزارع التابعة للهيئة وخاصة المزارع التي خرجت عن الخدمة ولاسيما في المناطق المحررة. كما تعمل الهيئة على تشجيع المستثمرين على  الاستزراع في المياه العذبة والبحرية من خلال العمل على وضع خارطة استثمارية.

استثمارات سمكية خاصة

وفي ردّه على سؤال حول المشاريع الخاصة لإنتاج الأسماك البحرية في محافظتي طرطوس واللاذقية، من حيث عائديتها وتوزعها وإنتاجها المتوقع وتكاليفها والمراحل التي قطعتها، والمواعيد المتوقعة لبدء إنتاج كل مشروع، قال مدير فرع المنطقة الساحلية: تمّ منح 7 موافقات مبدئية لإنشاء مزارع أسماك بحرية بطاقة إنتاجية تصميمية تقدر بـ 2400 طن سنوياً (3 مزارع أقفاص عائمة و4 مزارع شاطئية)، وقد دخلت إحدى هذه المزارع التي تنتج أسماك القجاج مرحلة الإنتاج الفعلي ووصل إنتاجها إلى الأسواق، وطاقتها الإنتاجية 400 طن سنوياً، وتقوم الهيئة بمتابعة مراحل إنجاز هذه المزارع وتذليل الصعوبات التي تعترض سير العمل فيها، وفي سياق حديثه لم يخفِ أن هناك عدة صعوبات تقف في أمام تنفيذ تلك المشاريع، كارتفاع تكاليف استيراد مستلزمات المزارع البحرية وصعوبة تأمينها بسبب العقوبات المفروضة.

الاستزراع النهري لا البحري

وحول سبب التركيز على الاستزراع السمكي النهري بدل البحري، علّل أحمد ذلك بأن الهيئة ذات طابع إداري تهدف إلى تطوير وحماية الثروة السمكية وتنمية مواردها، وفي هذا الإطار تقوم بالترويج وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع تربية الأسماك سواء العذبة أو البحرية، مع العلم أن البنية التحتية في الهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية من مفرخات ومزارع مخصّصة لإنتاج إصبعيات المياه العذبة والتي يتمّ بيعها لأصحاب المزارع السمكية ومستثمري السدود بأسعار مناسبة.

أما في مجال الاستزراع البحري، فتعمل الهيئة على زيادة المساحات المخصّصة لإنشاء المزارع البحرية وتذليل الصعوبات التي تعترض إقامتها ومتابعة مراحل إنجاز تلك المزارع.

السمك حلماً 

وفي ختام حديثه لـ”البعث” أكد أحمد أن الهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية تقوم بكثير من الإجراءات لجعل السمك أكلة مفضلة على موائد السوريين، وذلك من خلال عملها وسعيها في التوسع بإنتاج إصبعيات أسماك المياه العذبة وتأهيل المنشآت والمزارع التابعة لها، ولاسيما في المناطق المحررة والتوسع في استثمار المسطحات المائية أفقياً من خلال زيادة عدد المسطحات المؤجرة وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال تربية الأسماك، وبرأيه أن كل ذلك سيؤدي إلى زيادة الإنتاج وأي زيادة في الإنتاج ستؤدي إلى توفرها في الأسواق، وبالتالي انخفاض أسعارها بما يناسب دخل المواطن.