استنكار المواطن انصبّ على تضخيم الأسعار غير المتناسبة بالمطلق مع الزيادة؟! قرارات استثنائية لردع الانتهازيين المستفيدين من رفع أسعار الوقود..أصبحت واجبة
دفعت زيادة سعر لتر المازوت بمعدل 25% من 60 ليرة إلى 80 ليرة، أصحاب شاحنات نقل البضائع والركاب إلى رفع تسعيرتهم بنسب تتراوح بين 35 و50%، ما أدّى إلى تضخم أسعار السلع والمنتجات، رغم التبريرات المنطقية الصادرة عن المسؤولين التي أعادت صدور قرار رفع “المازوت” و”البنزين” الأخير إلى عدة أسباب أهمها: خفض النفقات الناتجة عن دعم المشتقات النفطية التي باتت أغلبيتها مستوردة، بعد تراجع الإنتاج المحلي من النفط، إضافة إلى الحدّ من تهريب المادتين إلى دول الجوار، حيث ما زال سعرهما محلياً أرخص، فسعر لتر البنزين -على سبيل المثال- في لبنان 200 ليرة أي أقل بنحو 60 ليرة عن سورية.
الميزانية
وتبيّن أن ترك الدعم كما هو خلال الأزمة سيزيد من عجز الميزانية، ما قد يرفع التضخم ويؤثر في النمو الاقتصادي، علماً أن تكلفة الدعم تبلغ 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وصحيح أنه أبقى محدودي الدخل لعقود من الزمن فوق خط الفقر، غير أن الحقيقة “المرة” أن الدعم زاد من غنى المهربين الذين يبيعون الوقود في لبنان وتركيا والعراق، وتحقيق أرباح طائلة ليست موضوعية “اقتصادياً” لأصحاب المنشآت الصناعية وناقلات البضائع، وهو ما يكلف الخزانة السورية نحو ثمانمائة مليون دولار سنوياً، وكان الدعم العشوائي غير المرشّد سبباً في نزيف الخزانة العامة.
فلم تجد الحكومة بدّاً من زيادة أسعار “المازوت” والبنزين”، نتيجة تداعيات الأزمة، لكنها في الوقت ذاته، لم تتخذ إجراء لإدراكها أن خفض الدعم قد يرفع التضخم ويثير الاستياء بين السوريين الذين يعتمدون على مادة المازوت تحديداً في إدارة مركباتهم وتدفئة منازلهم وتشغيل مصانعهم، وكان بالإمكان التقليل من تداعيات الرفع الجزئي عن هذا الدعم، من خلال استيراد شاحنات وسيارات لنقل البضائع والسلع بين المحافظات، من أجل تخفيف أعباء النقل وتكاليفه الباهظة على الحكومة، وبالتالي قد يساهم نوعاً ما في سرعة إيصال السلع من مناطق الإنتاج أو الاستيراد إلى أماكن الاستهلاك، وستنخفض أسعار السلع تدريجياً مع تحسّن في مسألة نقل السلع، فعلى سبيل المثال، تكلفة نقل الكيلوغرام الواحد من الحمضيات من مناطق الإنتاج وصلت إلى 42 ليرة سورية، في حين تكلفة الشاحنة من المناطق الساحلية إلى دمشق أصبحت أيضاً أكثر من 150 ألف ليرة سورية للحمولة الواحدة.
المنطق
محللون اقتصاديون أشاروا إلى أن سبب ارتفاع أسعار المواد وعدم انخفاضها هي تكلفة النقل التي أصبحت تشكل أكثر من 50% من التكلفة النهائية للبضائع، وهذا لم يحصل قبل الأزمة، وبالتالي الارتفاع الحاصل في الأسعار ليس له مبرر اقتصادي موضوعي وهذا الكلام لم يعُد مقصوراً على الأكاديميين والاقتصاديين وإنما جميع الناس..
ونحن في فترة قد يختفي فيها المنطق الاقتصادي لكن غير مسموح أن يختفي أو يغيب فيها الدور الحكومي، لأنه عندما يختفي أو يغيب المنطق الاقتصادي، وتبدأ مواضيع “اللفّ والدوران” يفترض أن تقوى فيها الرقابة الحكومية، وهذا الجانب أسّ مشكلتنا منذ بدء الأزمة.
موضوع تشديد الرقابة على سائقي المركبات سواء أكانت الخاصة بنقل البضائع أم الركاب تكاد تكون شبه معدومة، ولا يختلف على ذلك اثنان، فالتعرفة التي فرضها مقدّمو خدمات نقل الركاب التي تتراوح بين 30 و50% لا تتناسب مع الارتفاعات الجديدة الحاصلة في تسعير “المازوت” والبنزين”..
غير مبرّر
وبمجرد تحديد تعرفة نظامية من وزارة التجارة الداخلية، سنشهد مباشرة تراجعات بيّنة وسريعة في إيجارات النقل، كما أن إلغاء العمل بالقرار الاستثنائي الصادر عن الحكومة القاضي بالعمل بناء على سياسة الأسعار الرائجة، وإعادة تحديدها “رسمياً” لتعرفة نقل البضائع، دون أدنى شك، سيؤدي إلى انضباط أفضل للأسواق، وتضخم أقل مما هو عليه الآن؟!.
بالمختصر المفيد، قرار رفع سعر الوقود في ظل الأزمة له ما يبرّره نتيجة كل ما أشرنا إليه آنفاً، وما هو غير مبرر إطلاقاً، ترك التجار والصناعيين وأصحاب مركبات النقل يستثمرون الزيادات المقرّة في كل مرة يتم فيها رفع الأسعار، دون صدور أي قرار استثنائي رادع لضبط الأسواق، ونحن بأمس الحاجة إلى مثل هذه القرارات في اقتصاد أزمة.
وثمة من يرى أن الدعم وتحديداً خلال الأزمة، مهمّ في السياسات الاجتماعية لتوازن المجتمع وأصبح ضرورة أكثر، ولكن لا يمكن الاستمرار به بأساليب سنوات ما قبل الأزمة ذاتها.
دمشق – سامر حلاس