الإعلام الثقافي السوري بين الإقصاء والتهميش..
“المسكوت” عنه في الإعلام الثقافي السوري وأسباب ومسبّبات وعوامل تأخره وانكفائه وسطحيته وابتعاده عن الهاجس والهم الثقافي الحقيقي، وأسئلة أخرى كانت محور الندوة النقدية “حول الإعلام الثقافي”، التي احتفى فيها ثقافي المزة، وشارك فيها كل من الإعلاميين علي الحسن وعلي الراعي واعتذار الإعلامية لينا الإدلبي عن الحضور لأسباب طارئة..
وقد تميزت الندوة بطرح قضايا الإعلام الثقافي السوري، بجرأة وموضوعية، وشهدت نقاشات جدية ساخنة حدّ جلد الذات.. الإعلامي علي الحسن استهل حديثه بالقول: “إن معاناة الإعلام الثقافي سببها سياسة الإقصاء والتهميش”، لافتاً إلى أن ذلك جاء من خلال “ضخ الساحة الثقافية بكوادر غير موهوبة لتسود عقلية الصحفي الموظف في الوسط الإعلامي، على حساب الصحفي الكاتب صاحب الهم والهاجس الثقافي”، رابطاً ذلك باستفحال من وصلوا إلى مزاولة الإعلام عبر “حسابات ومصالح وشبكات من العلاقات النافذة” الأمر الذي أدى إلى “إقصاء الكثير من المبدعين” كما يراه الحسن، الذي تحدث عن “الخسارات” و”الغياب” في كثافة تعبير جامع للوجع المعاش، يقول الحسن: “خسرت الصحافة الثقافية الكثير من القراء والمتابعين في وقت كانت الصحافة الثقافية تزخر بأدباء إعلاميين وصحافيين أدباء”، مشددا بأسف: “إن الهاجس أو الاشتغال الثقافي آخر أولويات السياسات التحريرية في إعلامنا” مختتما حديثه: “ليس من باب جلد الذات، ولكن إن لم تتحسّن الحال، أخشى أن نكتب نعوة الإعلام الثقافي السوري”!.
أما الإعلامي علي الراعي فاستهل مداخلته بالقول: “لدينا صوت واحد، ولون واحد، واتجاه واحد في الثقافة والإعلام السوريين معاً”، مضيفاً مما كان ينتقيه من أوراقه: “حتى في هذا الصوت الواحد، فإنّ مساحة الإعلام الثقافي، كانت طوال الوقت، هي المساحة الأضيق، والأضعف” منتقلاً إلى هامش سطوع الرواية في أمريكا اللاتينية واحتفاء العرب بالشعر الذي امتلكهم بالانزياح بدلاً من التدقيق والاهتمام بالتفاصيل، الراعي الذي كان مشغوفاً بالتفاصيل، وتقاطع بالكثير من النقاط مع شريكه في الندوة علي الحسن، بدت ملامح المنطوق من الكلمات حاضرة فيما سلف من قول، بزيادات قليلة في استحضار الأسماء التي كانت ذات زمان تتسع لها مساحات الصفحات الثقافية، غير أنه أجاد في الوقوف على أطلال المشهد الإعلامي الثقافي حين قال: “الإعلام والثقافة هما المساحة المهمشة الحزينة المعتكفة المهزومة في الزوايا”، ولذلك كان ما يراه الراعي من بقية ضوء هو “الصوت الذي لم يوأد، الصوت الخافت الذي بقي غير مسموع” مجيباً بعد ذلك عن سؤال العارف لا الغارف: هل تريدون معرفة الأسباب؟!. “الجواب أيها الأحباب: إذا كانت مفاصل الجسد معطوبة، فلا تأملوا من هذا الجسد أن يمشي وينهض، وهو إن نهضَ أو مشى، فستكون مشيته عرجاء، وليته بقي قاعداً، مأساتنا في إعلامنا، إنه تمّ فرض “موظفين” أميين لا يعرفون من الصحافة ألف بائها”، واستطرد: “إنّ الصحافة الثقافية وكذلك النتاج الثقافي السوري بشكل عام هو نتاج السقف الواطي”.
وفي مداخلة له أكد الإعلامي أحمد علي هلال على وجود العديد من إشكاليات الصحافة الثقافية، التي رآها تتبدى في ظواهر وأشكال مختلفة، منها أن الثقافة تبدو كوظيفة تمارس وهذا ما يعكس خللاً بنيوياً في دلالتها ومعناها، فهي ليست وظيفة أو ترفاً أو فائضاً. متابعاً تساؤلاته بالقول: “لماذا ظلت الثقافة أسيرة الهوامش”؟ مشيراً إلى أن ما آلت إليه البلاد في الحرب التي تشن عليها بأن عنوانها “الثقافة” على مستوى المصطلحات واللغة والتاريخ والرسالة، حيث يرى هلال أن الصحافة الثقافية “صورة تحولات وصيرورات داخل المشهد الثقافي تعبيرا عن الهوية”. ويرى أن الإشكال الرئيسي مازال يتمثل بغياب الرؤى والاستراتيجيات بفعل عوامل ذاتية وموضوعية، لا مخرج لنا منه إلا من خلال “تحرير المعنى في وجود صحافة ثقافية تمثل خط الدفاع أو الهجوم، ولا يستقيم ذلك إلا باستثمار الكفاءات الثقافية الحقيقية، وخلق حالة تشاركية مع المبدعين”.
طلال مرتضى