ثقافةصحيفة البعث

النصر والهزيمة في رواية “الهروب إلى الزمهرير”

بدءاً من العنوان يطالعك الروائي سمير عدنان المطرود بهذا التوظيف لحرف الجر لإحداث المفارقة فيشدك للبحث عن حقيقة الهارب أو الهاربين من شخصيات الرواية إلى الزمهرير بدلاً من الهروب من الزمهرير، وهذا يعني أن العنوان كعتبة نصية أدى ولعب دوراً لافتاً ووظيفياً فالعنوان المحايد غالباً ما يكون عالة على النص.

والرواية في مجملها نص  مفتوح على الحياة, وليست الحياة بعينها، فهي عصارة ما يقدر الروائي على نقله بحسن الاختيار والانتقاء مع ترتيب للأولويات، كما يفعل المعماري الماهر حين يؤسس ثم يعلي مداميك البناء لبنة لبنة. وهي هنا نص مفتوح على حياة قرية من قرى الجنوب تعيش آمنة مطمئنة قبل هبوب رياح التغيير وتبدل حياة الناس بعد تعرفهم إلى عوالم جديدة (فلسطين، لبنان، الخليج).

في القرية تطلع مشروع للعيش كما تتطلبه المتغيرات وهناك قوى لا تريد التغيير وهمها أن تحافظ على الواقع كما هو، وفي غياب وسائل الاتصال بالعالم الخارجي تنتعش الأوهام وتنجح الإشاعات في بناء نمطية في التفكير تظهر في سلوكيات الأفراد.

وعلى الرغم من عدم ذكر اسم القرية فإنها بذلك أي قرية وربما هي الوطن كله…

تكاد قمر القرية الفتاة فائقة الجمال أن تكون البطلة الوحيدة في الرواية وما عداها أشخاص عجزة ولو غطوا بأفعالهم مساحة كبيرة من أحداث الرواية:

خليل الهارب من ماض موحل شديد القتامة والعائد بمال خليجي وافر يحدث تأثيراً كبيراً في نظرة الناس ومع ذلك يتكشف عن شخص يفتقد الذكورة والرجولة, فأصبح عاجزاً العجز كله أمام زوجته قمر القرية وأهلها الذين وجدوها فرصة سانحة لتغيير حياتهم كلياً، لكن قمر القرية التي تنازلت عن حبها للمتعلم الساعي لنيل شهادة عادت لتحن إليه وتطلبه بأي ثمن وتعرض نفسها لألف قيل وقال دون جدوى, فتقع من جديد في علاقة مع كهل يبحث عن زوجة ثانية وعن مال.

صبحي أيضاً وإن بدا فاعلاً ومؤثراُ في الحدث لكنه لم يكن شخصية مقنعة فقد ظل ذكر نحل.

ومن اللافت للنظر حقاً هو هذه السلبية لدى صالح فقد غاب منذ تخلت الحبيبة عنه ولم يظهر إلا في الصفحات الأخيرة مع هزيمة حزيران، فأي غاية تقف وراء ذلك.

ويمكن التوقف ملياً عند شخصيتين باتتا معروفتين بلقب لكل منهما وليس باسمهما الحقيقيين فرس إبليس وفي حدود معرفتي أن الاسم هو حصان إبليس أو هكذا يدعونه عنا في قريتنا التي تشبه في كثير من عاداتها وتقاليدها قرية الرواية، ولاسيما في هذه العادة أي غلبة اللقب على الاسم حتى لو كان قبيحاً ويحمل موقفاً شامتاً من صفة جسمانية أو عيباً، فشبر انطز قصير القامة ومهمش بكل تأكيد وليس له ظهر يحميه.

ومن حيث الأسلوب والأسلوب هو الرجل كما يقال فقد جاء جديداً وتجريبياً، ولن نصدر حكم قيمة على هذا الجديد أو التجديد وندع الأمر للقارئ فله أن يرى ما إذا كان الكاتب قد نجح في غايته.

وقد نحا الروائي منحى المجددين في بناء الصرح فجاء السرد في أغلبيته موزعاً بين البداية, يعقبها ومضة, ثم هامش, وهامش لابد منه, وتذييل بسيط, وهامش مهم, ثم بداية ثانية, وللتذكير فقط, وعودة للبداية الثانية, ثم هامش وتوضيح, وإضافة ضرورية… وغير ذلك من العناوين التي اختارها الكاتب فيما يبدو لي لشد القارئ للمتابعة, وتوضيح بعض الجوانب…

الرواية واحدة من أهم الوثائق التي برعت في تدوين صفحات مطوية وسرية وخاصة كما حياة قرية ببعض ناسها وبكثير من تفاصيل حياتهم وسلوكهم المسكوت عنه، وهي توثيق خبير محلل لطبيعة الناس وأسباب اندفاعهم وراء الشهوات والملذات.

يمكن الجزم بأن سمير عدنان مطرود استحضر خبراته السابقة في مجال الكتابة وصب بعضها هنا، من خبرة في المسرح وفي القصة القصيرة وفي المقالة والتحليل السياسي، حتى لتكاد ترى هذا الجانب الأخير واضحا الوضوح كله.

وإن كان من ملاحظة لا بد منها فإن الواجب يقتضي إلى أن الهروب إلى الزمهرير تستوعب أحداثاً أكثر وتفاصيل ننتظرها في جزء متمم لهذا الهروب.

رياض طبرة