ثقافة

في فيلمه الجريء “رؤيا”: ماذا لو خسرت الأنثى مركز جمالها؟ عوض قدرو: المؤسسة مستمرة في دعمها لسينما الشباب

بدأ عارضاً للأفلام، على طريقة بطل فيلم “سينما باراديسو”، وفي صالات دمشق السينمائية الحميمة، كان يرافق والده، الموظف في المؤسسة العامة للسينما، فيقترب أكثر من سحر الفن السابع، ولم يكتف بعمله الوظيفي كعارض أفلام في المؤسسة العامة للسينما، بسبب طموحه الأصيل في أن يعبّر عن جوانياته الفنية، حيث أخرج أكثر من سبعة أفلام ما بين وثائقي وروائي، يشرف على مهرجان دعم سينما الشباب، ويقدم برنامج حكاية السينما السورية في قناة “سورية دراما” التي يخصها بعميق شكره.. البعث التقت المخرج، والمشرف الفني عوض قدرو، وكان الحوار التالي:

> المخرج، والفنان عوض قدرو، كيف تقدّم لنا نفسك ببطاقة أعمال: العمر، المُسمّى الوظيفي، أو المهنة، التحصيل العلمي، والإنجازات؟.
<< شاءت الصدف أنني أحببت مهنة العارض السينمائي، وبدأت العمل في سينما الكندي كعارض، حيث تعلّمت المهنة هناك، وكما تعلم العارض السينمائي يشاهد الفيلم أكثر من مرة بحكم مهنته، وأنا أحب السينما، وإذا أحببت فيلماً يمكن أن أعيد مشاهدته عشر مرات بالمتعة نفسها.
> كيف انعكست مشاهدة تلك الأفلام على عوض قدرو؟.
<< انعكست على ذائقتي الخاصة، فأنا، مثلاً، لم أرغب بمشاهدة أفلام “الكاراتيه”، كنت أشاهدها نعم، لكنها لم تلامسني، فهذه الأفلام تتشابه مع بعضها، ما جعلني أسعى لأشاهد أفلاماً أخرى، وحدث وشاهدت أهم الأفلام العربية، ومنها “حكايتي مع الزمان”، وغيره.
> هل حملك ذلك الحب، والشغف بالسينما لدراستها، ومعرفة عوالمها بشكل أكاديمي؟.
<< بصراحة الإمكانات المادية لم تسمح بذلك، وأيضاً لم تكن لدينا “واسطة” لأكون من الطلاب الموفدين لدراسة السينما في الدول الأوروبية، لكني لم أقف عند هذا الموضوع، لأنني، بداية، أرى السينما، وقبل أي شيء آخر، موهبة.
> تقدم حالياًً برنامج “حكاية السينما السورية” على قناة “سورية دراما”، كيف بدأت فكرة البرنامج؟.
<< لم أجد أي شيء يوثق للسينما السورية، وفي الحقيقة ما يوثقها هو “السينما تك”، أو مركز أرشيف السينما، ونحن في سورية لا يوجد لدينا هذا الموضوع، وهذا برأيي الشخصي أمر معيب.
> هل هذا يعني أنك غير راض عن البرنامج باعتباره لا يستطيع التوثيق الذي تطمح له؟.
<< في الحقيقة لا، نحن بحاجة ماسة لوجود مركز قومي للسينما، وهذا المركز ليس بعهدة مؤسسة السينما فقط، وهي تسعى لإنجاز هذا المشروع، ولكن لأكن صريحاً، فأنا ابن المؤسسة، وأعرف كواليسها، هذا مشروع كبير، ومكلف جداً، ولا أكتم سراً إذ أقول: إن هذا المشروع صار بعهدة رئاسة الجمهورية، فمشروع بهذه الضخامة يحتاج أن تتبناه الدولة، لأن المركز القومي للسينما يكون دائماً بالمرتبة الثانية في الدولة، هذا تاريخ بلد، ويجب ألا يهمل.
> بما أننا في الحديث عن تاريخ السينما السورية وأفلامها، ما رأيك بالأفلام السورية في السنوات الخمس الأخيرة؟.. منها فيلم مريم للمخرج باسل خطيب، كيف رأيته؟ وكيف تصنّف الثيمة فيه؟.
<<  الفيلم كان جديداً، وحقق حضوراً جماهيرياً، كما حقق المعادلة بحصده للعديد من الجوائز السينمائية الهامة، وأي فيلم يحقق معادلة الجوائز، ولا يحقق معادلة الجمهور هو غير ناجح أو مجد.
> في فيلم صديقي الأخير، إخراج جود سعيد، احتار النقاد بتصنيف البطل، برأيك من هو البطل في صديقي الأخير؟.
<< جميعهم أبطال الفيلم حقيقة، دعنا نبدأ من الحارة، ومجموعة الشباب، إلى المحقق عبد المنعم عمايري، ولكن لا يوجد عمل كامل بالمطلق، وبالتأكيد إن لم توجد في العمل أخطاء، فالمخرج لن يستطيع الإفادة من هذه الأخطاء كي يتفاداها في العمل القادم، طبعاً جود سعيد تطوّر، وامتلك أدواته أكثر في أفلامه التي أخرجها بعد “صديقي الأخير”.
> هل أقنعك مشهد العاصفة في فيلم “الشراع والعاصفة” للمخرج غسان شميط؟.
<< بصراحة شديدة لا، وأنا لا أخجل أن أقول رأيي، فغسان شميط صديقي، وأنا أعتبر نفسي تعلّمت السينما منه، ولكن هذا المشهد لم يقنعني كونه كان عادياً، ولم يكن ملفتاً، بالمعنى الأصح لم يكن يحمل إبهاراً بصرياً كما صوّرته الرواية العظيمة لحنا مينه.
> ولكن برأيك، هل هناك فيلم أنتجته المؤسسة ساهم بتغيير كلّي أو جزئي في الرأي العام من خلال ما طرحه؟.
<< اليوم لا تستطيع أن تغير رأياً من خلال فيلم، ما تستطيعه هو أن تقدم وجهة نظرك الفنية، أنت اليوم عندما ترسم لوحة، أو تكتب قصة، أو مقالاً، فإنك تقدم وجهة نظرك، في الفيلم  السينمائي الوضع مختلف، فالفيلم هو ذاكرة قد تعود إليه بعد عشرين سنة، وبرأيي الأجيال القادمة سترى في يوم من الأيام ماذا حصل في سورية من خلال المادة السينمائية، لأنها مادة توثيقية، تماماً مثل السينما الواقعية التي بدأت في ايطاليا عقب الحرب العالمية الثانية، فبعد أن تدمّرت الاستوديوهات الايطالية، نزل عدد من المخرجين الايطاليين إلى الشارع لصناعة أفلامهم، وهنا حصل الشيء نفسه، فالأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما أنتجت بظروف خطيرة جداً، أذكر مثلاً “صديقي الأخير”، كنا نصوّر في الديوانية، خلف دار الشفاء، مع أصوات القذائف والرصاص والقنص في الليل.
> وما هي المهام التي تشغلها في المؤسسة؟.
<< كما قلت لك، أنا أحب هذه المهنة، اشتغلت في صالة رقابة الأفلام، وفي عام 2000 استلم الأستاذ محمد الأحمد الذي أكنّ له كل الاحترام والمحبة، وحدث أن تعاونا في المؤسسة بالكثير من الأشياء، هو رجل يؤمن بالاختصاص، وهذا ما جعله يعطي الصلاحية المطلقة لأصحاب الاختصاصات، وأنا اشتغلت معه في مهرجان دمشق السينمائي، وقد أعطاني فرصة لا تقدر بثمن، فأنا كما تعلم لست مخرجاً، واليوم أعمل مشرفاً فنياً على مشروع سينما الشباب، بدأت بهذه المهمة في عام 2013 و2014.
> دعنا نتحدّث عن فيلمك “رؤيا”، بداية كيف حصلت على هذه الفرصة؟ هل من خلال جهدك الطويل في تاريخ المؤسسة، ومعرفتك الواسعة فيها؟.
<< هل تقصد كمكافأة؟ في الحقيقة ليس مكافأة أبداً، فالسينما لا توجد فيها مجاملات، هي تختلف عن الدراما مثلاً، و”رؤيا” هو الفيلم السابع أو الثامن لي مع المؤسسة، سبقه فيلما: “حلب عاصمة الثقافة الإسلامية”، و”مصطفى العقاد إنساناً مبدعاً وشهيداً”، وهذان الفيلمان عُرضا في احتفالية السينما ضمن فعالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية، كما أنجزت فيلم “حكاية اسمها دمشق”.
> في فيلم “رؤيا”، ماذا تعني لك ثنائية المرأة والبحر؟.
<< “رؤيا” اعتبره الكثير من الناس جريئاً بالصورة والطرح، وأعتقد أنّه منذ مدة لابأس بها من عمر السينما السورية، لم يمر فيلم قصير بهذه الجرأة في الطرح والصورة، ولم تكن لدي مشكلة أن يمنع الفيلم رقابياً، فأنا كنت مصراً على إنجازه.
> من هو البحر في “رؤيا”؟.
<< البحر هو الرجل الحقيقي المتحرر من كل عقده الذكورية، الرجل بمعنى الكلمة، وهنا تقصّدت أن أظهر هذا، وسبب إصراري عليه أنني أردت من خلاله طرح المشكلة التي تعاني منها وتخشاها كل نساء الأرض، وهو سرطان الثدي، وعندما تُصاب المرأة بهذا المرض، فإن كل الرجال ينفرون منها، ولكن البحر يبقى بحراً، والزبد يبقى زبداً، لأننا رأينا كيف احتضن البحر المرأة.
> كيف عملت على أداء الممثلة؟.
<< بالنسبة للممثلة سلمى سليمان، أنا أتيت بها لأنني أعلم أنه ما من ممثلة سورية سوف تقدر على أداء هذا الدور، ولذلك لم أرغب أن أعرضه عليهن، فهناك تفاصيل لن يوافقن عليها، وهي ضرورية للفيلم، لذا قلت للممثلة بصراحة شديدة من البداية إلى النهاية: يجب أن تكون الثقة متبادلة بيننا، ويجب أن تضعي ثقتك بي تماماً، ثقي بأنك لن تظهري بمظهر مبتذل، انتظري حتى تشاهدي الفيلم عند عرضه، وحينها لك إما أن تشتميني، أو تمدحيني، وطلبت منها أن تلتزم بكل التوجيهات التي أقدمها لها، وألا تجتهد من تلقاء نفسها، كنت حازماً جداً، خاصة في المشهد الذي تبكي فيه.
> كيف استطعت أن تجعلها تبكي؟.
<< صارحتها، أذكر يومها أنني قلت لها: لن أضع لك دموعاً، اعتبري أنّك مصابة بسرطان الثدي، وكل رجال الأرض ابتعدوا عنك، وهذا شيء أوردته في الفيلم: (الكل شرب من مائي وبقيت أنا العطشى)، وقلت لها أيضاً: تذكّري حالة من الحالات المؤلمة التي عشتها، وأكيد أن لك تجارب حزينة، يومها نظرت إلي عميقاً وقالت: دعني نصف دقيقة فقط، أدرتُ وجهي للبحر، والكاميرا جاهزة، ثم التفت إليها وقلت للمصوّر: ابدأ، وبالفعل انهارت، ثم نظرت إليها قائلاً: اذهبي وسلّمي نفسك للبحر، وكان المشهد الأخير.
> بمن تأثّر عوض قدرو في هذا الفيلم، بمعنى: طيف من كان يحوم حولك وأنت تعمل؟.
<< الأنثى الجميلة.
> أُخذ على الفيلم انسحاب الحبكة، والقصة، والحوار لصالح البوح الداخلي والحالة، هل أنت مع نموذج القصة في الفيلم، أم مع نموذج الحالة؟.
<< أنا مع نموذج البوح، والربط الجمالي، أنا تقصّدت إظهار الزبد في الفيلم، فأنا لا أريد الموج وحده، بل الموج مع الزبد، لأن البحر رجل، كنت مصرّاً على الإيحاء الذي يقدمه البحر كرجل، هذا  البحر يُريد أن يقول لتلك المرأة: أنا موجود معك ولو صرت رماداً، أنا الرجل الحقيقي، وبالعودة إلى الجدلية بين الأنثى والبحر، والربط الجمالي لذلك، أردت أن تلبس الممثلة لباس البحر قطعة واحدة، وذهبت  إلى مصممة الأزياء مصطحباً معي بطلة الفيلم، حيث أطلعتني المصممة على عدة نماذج للباس الذي أريده في “الكاتالوج”، وقلت لها: أريد هذا النموذج، ولكن أريد لونه أبيض، فقالت لي المصممة باستغراب: أبيض! قلتُ لها: نعم أبيض، وتركت لها المساحة، فعرضت عليّ مجموعة اقتراحات كالقبعة، والوشاح الأبيض، والورود الصفراء، وعندما انتهت سألتني إن كنتُ أريد أن أرى النتيجة فقلتُ لها: لا، أرسليهم، وعندما ارتدت الممثلة الزي كان تماماً كما أريد، وكما يحتاجه الفيلم.
> ما رأيك بمسيرة الدراما التلفزيونية، وهل ثمة منافسة بينها وبين السينما؟.
<< لا، الدراما لا تُنافس السينما، الدراما في مكان، والسينما في مكان، السينما ذاكرة، أما الدراما فليست كذلك.
> ما رأيك بالقول الذي يصف المشهد التلفزيوني بأنّه مبتور، وأقرب إلى اللقطة؟.
<< المشهد التلفزيوني يُصنع بطريقة مختلفة، اليوم نجد نوعاً من التكنيك الجديد في الدراما، ولكن ليس التكنيك الذي  يُمكن  أن يرتقي إلى السينما التي تبقى لها دلالاتها، وأدواتها، ورموزها، في المشهد التلفزيوني لدي ثلاثون حلقة.
> كيف تميّز بين اللقطة والمشهد، باعتبار هذا التعريف يخضع لرؤية شخصيّة تختلف من مخرج لآخر؟.
<< المشهد عبارة عن عدّة لقطات، أحياناً المشهد يكون لقطة واحدة، فمثلاً مشهد في هذه الغرفة نأخذ هذه الزاوية تُعتبر لقطة، مجرد أن يتغير الزمن أو المكان نُصبح في مشهد آخر تماماً.
> وماذا عن موقعك في مشروع دعم سينما الشباب، والمنح الإنتاجية؟.
<< بالنسبة للمنح الإنتاجية، يأتي دوري بعد أن يوافق مديرو الإنتاج على النص، ويقومون بوضع الميزانية، بصراحة أغلبية المتقدمين هواة، وأنا مثلهم أيضاً هاو، ثم يأتي المخرجون، ويبنون على فيلمهم وجهة النظر، ونحن نساعدهم، إذا كانوا بحاجة شيء نساعدهم في خياراتهم، أحياناً في انتقاء الممثلين، العمل ضمن الموقع، وأحياناً في زوايا الكاميرا أو اكس  الكاميرا كما يقولون، بعضهم ليست لديهم فكرة، يقفون خلف الكاميرا للمرة الأولى، نقوم بتوجيههم، ونضعهم على الطريق الصحيح، نتابعهم في المونتاج، لدينا فريق من المحترفين في المونتاج، والذين قاموا بكل مشروع الدعم وهم: علي ليلان، سومر جباوي، بالإضافة لمديري التصوير الاحترافيين، نحن جميعنا نتضافر حقيقة لإنجاح كل فيلم، كل فيلم هو مشروع المؤسسة، لأن هذا الفيلم، أو ذاك سيُحفظ في أرشيفها.
> ما هي الخطة الموضوعة حالياً لمتابعة مشروع دعم سينما الشباب؟.
<< المؤسسة العامة للسينما مستمرة بهذا المشروع، تقدم كل الإمكانيات  الاحترافية، منذ أن  بدأت في عام 2012 بعشرة أفلام، في 2013 أصبحت خمسة وعشرين فيلماً، وفي 2014 أصبحت ثلاثين فيلماً، المشروع يطوّر أدواته، ونحن كمؤسسة نستفيد من الزلّات أو السلبيات التي وقعت في المشروع الأول، ونتفاداها في المشروع الثاني، هذا الأمر طبيعي، فالمؤسسة تقدم لهذا المشروع القاعدة التقنية الاحترافية الكاملة.
> ماذا تنصح الشباب الراغبين بالمشاركة في مشروع دعم سينما  الشباب؟.
<< أن يكونوا أصلاء، وبسطاء في التعامل مع السينما، أن يتعاملوا معها بحب، لا مجرّد أنّهم صنعوا فيلماً وكفى، بعد ذلك ما هي الخطوة القادمة؟.. المفروض أن يتعاملوا بعشق، وحب أكثر، السينما بحاجة إلى حب، هي علاقة حب بينك وبين الشاشة في النهاية.
تمام بركات