كيف يواجه الحزب الأزمة التاريخية؟
1- هل يستطيع البعث اليوم في سياق تاريخه النضالي دحر رهان الأعداء على المنطقة العازلة، وعلى «المعارضة المعتدلة» التي صرح أمس وزير الأمن الصهيوني بتنسيقها معه ودعم كيانه لها… وعلى دحر باقي خطط المؤامرة؟
تتطلب الإجابة النظر في ملامح الأزمة التاريخية التي يعيشها العرب جميعهم اليوم وتتبدى ملامحها بعدد من المظاهر أبرزها توزّعهم بين أقطار تعاني من الإرهاب والتكفير، وأقطار شقيقة يدعم حكامها الإرهاب والتكفير، أقطار تقاوم الاستعمارين القديم والحديث «العثمانية والغرب والصهيونية» وأقطار مأجورة حكوماتها لتنفيذ مشاريع هذا الاستعمار ولمناهضة المشروع الوطني العروبي. إضافة الى تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني، وتقهقر الخطاب القومي ومؤسسات العمل العربي المشترك.
والأصعب من ذلك كله مارافق هذه المظاهر من اقتران خيانة بعض «المثقفين» لقضايا الوطن والأمة بقدرتهم على تسويغ هذه الخيانة وتبريرها، يُضاف الى هذا مظهر خطير جداً اقترن فيه حل الأحزاب الوطنية الحاكمة بضعف الجيش الوطني وتعثّره أمام ظهور ميليشيات إرهابية امتلكت بيئة خاضنة بشكل من الأشكال.
وآية ذلك ماحدث للتجمع الدستوري في تونس، واللجان الشعبية في ليبيا، والحزب الوطني في مصر، والمؤتمر الشعبي العام في اليمن، وبعث صدام حسين في العراق…، وما واكب هذا مما أصاب الجيش الوطني في هذه الأقطار. دون أن يعني هذا تأييد تجربة هذه الأحزاب في الحكم أو تبرير أخطائها، تلك التجربة التي افتقدت لا شك المراجعة النقدية الموضوعية الفاعلة… فأصابها ماأصابها، وانتقلت العدوى الى الوطن والمجتمع والشعب والأمة… وكانت البدائل حصاداً هشيماً مرّاً ستجعلنا مع الأيام نفكّر في التماس مغفرة تلك الأخطاء مقابل طفو الإرهاب والتكفير والدم والدمار طفواً يخدم المشروع الصهيوني.
2- فأين حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العربي السوري من هذا كله؟
لا شك في أن حزبنا يمرّ في مخاض عسير طال أمده، وقد بدأ منذ مطلع التسعينيات، زمن انهيار أوروبا الشرقية وجدار برلين، زمن العولمة والقطبية الأحادية ومارافق ذلك وتبعه من طروحات نهاية التاريخ، وصدام الحضارات، وشرق أوسط بيريز، وفوضى رايس الخلاّقة… وتقدّم دور البترودولار الذي أرسى أسسه كيسنجر. وصمد هذا الحزب بأهدافه وجماهيره لأنه في الأساس نشأ وترعرع مع التحديات التي واجهت الوطن والأمة منذ أربعينيات القرن الماضي.
لكن اليوم أمر المواجهة مختلف، بل مختلف جداً. فالمخاض الذي لم ينتهِ أعقبه تحديات معاصرة لم تكن بالحسبان أبداً، تحديات تاريخية حقيقية جعلت تنظيم الحزب، وأهدافه، واستراتيجياته، وجماهيره أمام امتحان صعب جداً يقترن بمخاطر وجودية كبرى تطال الحزب والشعب والأمة.
والواضح أن الحزب تنظيماً وعقيدة وجماهيراً لايزال يملك عوامل الصمود والقوة المؤهلة لإعادة حضوره المجتمعي، ودوره الوطني والقومي، ويكاد يكون الحزب الوحيد في المنطقة الباقي ممتلكاً هذه العوامل، وطبيعي أن هذا لم يأتِ من فراغ نظراً الى قدرته على تجديد بنيته ووظيفته وأدواته وديناميكيته في مواجهة التحديات القديمة والجديدة.
بالعكس، فقد أعطت الأزمة الحزب دفعاً وقوة، كما أعطته ذلك الأزمات السابقة الأسهل، وصحيح أن الحزب استُهدف بشكل قاسٍ وظالم، لكنه بقي قادراً خلال ذلك على إثارة تساؤلات كبرى بين قياداته وكوادره وجماهيره من خلال استمرار تفحّص العلاقة الفاصلة – أو الرابطة- بين التنظيم والفكر من جهة، وبين قيادة الحزب وجماهيره وجماهير الشعب من جهة ثانية، تفحّصاً لم تغب عنه المراجعة النقدية التي لم تفتقدها مؤسساته ولا مؤتمراته.
3- فما المطلوب منه في هذه الأزمة التاريخية وكما ترغب جماهير حزبنا وشعبنا وأمتنا؟
لا شك في أن الحزب قادر على تحقيق المطلوب وهو:
– توطيد حضوره الاجتماعي ودوره الوطني العروبي التحرري لمواجهة التكفير الذي استهدف العيش المشترك.
– تلاحمه مع الجيش والقوات المسلحة التي تخوض اليوم معركة الشرف والتاريخ دفاعاً عن الشعب والوطن والأمة.
– إعادة ماخسره من جماهيره الى صفوفه النضالية، تلك الجماهير التي غُرّر بقطاعات ليست قليلة منها.
هذه القدرة على تحقيق المطلوب ستحقق للحزب وجماهيره النجاح في المواجهة، فقوّته كفيلة بهزيمة مشروع عملاء اسرائيل وأمريكا في المنطقة، ولاسيما حين ينجح في استنهاض كافة القوى الوطنية والتقدمية والإسلامية المستنيرة المقاومة لمواجهة هذه الأزمة التاريخية.
ومن الواضح أن القيادة السياسية تمضي في هذه المواجهة وتحقق نجاحات متتالية واعدة من خلال تفعيل المشروع الوطني والقومي للحزب وتطوير قدراته على مواجهة العدو الإرهابي والصهيوني فكرياً وميدانياً.
هذا هو معنى تأكيد قيادة الحزب أول أمس على صدر هذه الصفحة أن دمشق ستظل قلب العروبة النابض مهما اشتدت المؤامرات والضغوط، وأن من أولويات المواجهة تكامل دور الحزب مع الجيش والشعب وجماهير الأمة في محاربة التكفير والإرهاب والصهيونية والوهابية، مع المضي في التغيير التنظيمي الذي تتطلبه مستجدات الواقع الحزبي، ومنها معالجة الأرقام الوهمية في عدد مناضلي الحزب ونوعياتهم، مايعني أن التنظيم الحزبي قادر على الانتقال من الخسارة إلى الكسب جماهيرياً وفي الميدان.
د. عبد اللطيف عمران