ثقافة

شجون قصيدة..وشاعر مُفْتَرض؟!

خضر عكاري
تحاول القصيدة لدى الشاعر اجتياز الحواجز وعبور التخوم المألوفة وتحطيمها وخلخلة متاريسها شاخصة بقدميها العاريتين إلا من تشققات ودمامل وأصابع مهترئة-عتبة الكشف التخييلي الذي تحتفي به إلى حدود الانتشاء بلغة جارحة وهتاف أعرج خارجة على القانون مطاردة بهراوات وشتائم وصراخ “بوليس الآداب” /لغة الشطح الملتوية بميتافيزيقية حاجبةً عنه كل شيء وكاشفة عما هو مستتر، ومغطى، ماراً بفلوات الجسد عبر شهوات تتزاحم كأسراب “القاق” على بقايا همهمات متناثرة هنا وهناك، كساحة حرب وصراع لم تحسم فيها النتائج بعد؟! ساهياً بألوان تلوح بتأويلية لا متناهية وأبعاد رمزية وأسطرةٍ تزيح كل ماله علائق حادة بالحضور.
الشاعر يتماهى في شسيع تجربته الحسية المتناوخة بغتة مع مداليل رؤياه اللامحسوسة،حتى ولو كان هذا العارض”الجسد” بين يديه يدعكه، يمرس تقيحات جراحه الماضويه “التراث” كما الموج ،لرمال وصخور شطآنها الشاحبة راسماً حدود كينونة مرجومة في الزّمكان، وذلك بوصفه مُنوجداً، ومُطاوعاً للوجود، بعيداً عن الحسم المُفْتَرض مابين الداخل والخارج لهذه الجغرافيا الممتدة، والمشطوحة/ مابين قيلولة الوجد/ القصيدة.
الشاعر”المُفْتَرض” متبوع بالدوال المجسدة بياء المتكلم حيناً، والمخاطب أحياناً، محولاً “الأنا” بوصفها “الذات” إلى مفهومٍ قادرٍ على اختراق ظواهر الطبيعة للنص الذي هو الأصل المتكرر مستمدة حيوية ونبضاً جديداً.
الشاعر يرسم بحالاته وتجلياته البادعة والمبدعة خطا وخطوات انعتاقه فهو يتمرد على كل شيء، وليس معناه الهروب أو الفرار من أشياء يتوجسها بخوف المستحيل “الحارن” على جرف إيقاعات هذا البياض الملوث بحميمية التشكل والارتقاء..!
هي خطة واعية تتنامى كالسرطان، مشرشة في تجاويف القصيدة الملدوعة باستشراء المواقف الضالة عن أصالتها، هي الكينونة التي شرمت سراويل التجربة لدى الشاعر وعرّتْهُ حتى من ورقة “توته”!
إن الجسد /الأنثى/ التي تعودت وتعارفت عليه القيم الاجتماعية، محاولة ستره وحجبه وإبعاده عن تخديش، وتضييع القارئ العادي، هكذا تبغي وتريد القصيدة من أن تقوم ببناء ماتهدم، وترقيع البقع المهترئة، وماانزاح مجبراً تحت الردم ، وأن تفك قيود الخدع، أصفاد المخفي والمغطى “قصداً” في متاهات هذا الجسد، ومن تلك اللغة المستجيرة، والغاية منها والمراد هو توليد لغة وإثمار المعرفة؟!
/ الشاعر يتخاطر/ يتجاسر مع “العري” كحالة استرخائية أساسية ممجدة للأنثى /الجسد/الشهوة، يقول بوفري: “إن ما يميز الظهور هو الاختفاء!” وقد تكون هذه المقولة لـ “هيراقليط” وذلك إشارة إلى قوة ظهور وتبيان الغرائب من الأشياء، والتي تختفي كلما بانت وظهرت على حقيقتها “كلما ظهرت الأشياء كأشياء”؟! واللذة التي ينشدها الشاعر من خلال مروقنا المسوسح بين كهوف ومداخيل قصائده “المختزلة” إلى حدود التنافر والاختناق، تلك لذة غير لذة اللذات التي استهوت، وتستهوي الكثير من الشعراء ما قبل الجاهلية وما بعد الإسلام، وحتى حصارنا “العولمي” الآن تتمثل هذه “اللذاذات” في الروح والتمني بعيداً عن “المادية الآنية” التي تذوب بإنهاء زهوة الاشتهاء وانتشاء الجسد الذي ينام على طراحة الندم؟!
بهذه اللغة الـ شبه يومية البسيطة الموحية، والمهرولة اللاهثة في دروب من “الملمول” الساخن بفعل عجلات العربات التي رسمت، وحفرت أخاديد المعذبين الرائحين أَبَدَ حياتهم إلى حقول التأوه والكآبات!
تلك أحاسيس منمنمة مرتبكة، ومندغمة مع حركة هذا العالم.
صفاء شعري يؤكد حضوره بهدوء النهر في المشهد الشعري السوري الجديد، بدون أية جلبة، ولا أي ضجيج، بعيداً عن المواربة وقعدات “الادعاءات / الشلليات +المافيات المؤدلجة والـ؟!” الشعر بعيد عن زيف الذين يتملصون من إخلاصهم وحرصهم عن هاجس العملية الشعرية “للقصيدة الأتم”؟!

khudaralakari@hotmail.com