ثقافة

“خارج المدار” ومضات خاطفة ليوميات الأزمة ضمن إشكالات نعيشها

آثرت الكاتبة هدى الجلاب التي انطلقت من عوالم الشعر أن تلتزم  بمجموعتها القصصية الجديدة “خارج المدار” بملامح القصة الواقعية التي تختزل بين أسطرها إشكاليات اجتماعية تلامسنا ووقائع نعيشها بكل جزئياتها فبدت أقرب إلى التسجيلية ،في حين مضت قصص أخرى نحو البعد التحليلي في كشف حقيقة الوجه الآخر المتخفي وراء قناع يظهر به أمام الآخرين ،وفي سبر أغوار الشخوص واستنباط ردة أفعالها وسلوكياتها إزاء موقف أو فعل تواجهه بصمت أو بعنف ،لاسيما المرأة الحاضرة بقوة والتي تخفي صورة الرجل الذي يسكنها كما بدا واضحاً في لوحة غلاف المجموعة التي رسمها الفنان رائد خليل،كما عكست شيئاً من شخصية الكاتبة، فأقحمت خطاً خاصاً ليجسد صوراً متباينة لمعاناة كاتبة وأحلامها وهواجسها.
وضمن أرجاء المجموعة خيم السرد الأنثوي بلسان الكاتبة من خلال تجسيد صور اجتماعية مختلفة ،ولم تكن بمنأى عن أزيز الرصاص ودويّ القذائف العشوائية ،وقد تمكنت ببراعة من توظيف يوميات الأزمة ضمن السياق العام للقصص في حبكة محكمة باستثناء بعضها التي واجهت موقفاً حاداً كمشاهد التفجيرات في المناطق الساخنة ،فتميّزت بشموخ جبل قاسيون وبسالة الجندي العربي السوري وعزيمة أطفالها الذين يرددون عبارات  “سورية الله حاميها/ سورية وبس” وعبق الياسمين الذي يبوح بعذابات أهل الشام ومعاناتهم “الله يعين سورية على ما بلاها”.
ومن ناحية فنية القصّ اتخذت الكاتبة مساراً واحداً وفق تقنية السارد باستثناء بعض المقاطع التي اعتمدت فيها على الحوارات المقتضبة ،فبدأت بمقدمة تدخل في أجواء الحدث مباشرة ثم تتصاعد بالاعتماد على التفاصيل وصولاً إلى قفلة القصة المدهشة المفاجئة في أغلب القصص وأحياناً تكون مغرقة بالحزن.
الأمر اللافت أن المجموعة بدت أشبه بومضات قصصية قصيرة تساير الحدث دون الولوج والتوغل في مسارات مختلفة ركزت على المضمون الإنساني والواقعي والموقف المباشر. وتبقى خارج المدار خاضعة لميزان النقد ورؤى متقلبة ،لكن الجميل فيها أنها مستوحاة مما نعيشه.
ومن أرجاء المجموعة قصة “زيت سمك” التي بدت فيها ملامح الأزمة بأسلوب غير مباشر وتدور حول قصة حبّ تعيشها امرأة مطلقة تعيد الحياة إلى روحها اليائسة فتبقى أسيرة انتظار الضابط الذي لايملك نفسه لأنه ملك الوطن ،في الوقت الذي يحدده للقاء لحظة الغروب، تقع وهي مهرولة من أعلى الدرج فتكسر ساقها وتجد نفسها في مشفى المواساة “تتربع على الأرض تأكل برغبة غريبة تتخيل لحظة التقت معه على طريق المطار ،كيف مسح الغبار بقميصه بفوضوية فتبتسم لتنبسط عقدة احتلت جبينها فترة طويلة .وفي قصة “زوايا ” تطرقت إلى الأزمة بصورة غير مباشرة حيث أزقة دمشق القديمة تشهد القلق والصور المعتمة القادمة من صدى صوت هادر قوي يعصف بأركان البيت القديم فتهرع القطة خائفة مذعورة من هول الصوت كنوع من الإيماءة إلى أنسنة القطة ،في حين تتابع صاحبة البيت نشرة الأخبار وتدعي للشام بقلب مذبوح “على مضض جالستُ روحي وأنا أبحث أوضاع زوايا حادة ومنفرجة يصعب تفسير ميولها ودرجاتها في محيط متوتر يتخبط في لجة رماد”. ونختم قراءة المجموعة بقصة ” وئام ” التي تحكي فيها عن تجوال الكاتبة في إحدى حارات دمشق القديمة تستوقفها مشاهدات حائرة بين طفلة تحمل العلم السوري وتنشد لسورية ورجل مسنّ ترمقه خلسة من خلف قضبان نافذته المطلة على الحارة إلى أن تصل إلى منزلها فتدعوها والدتها لحضور جلسة البسملة من أجل سورية “ادخلي عندنا زوّار قرأنا بسملة أنا وجاراتي لأجل الشام الله يحميها”.
ملده شويكاني