اقتصاد

بعد أن أهملها أصحابها.. الحيازات الزراعية البائرة رهن الاستثمار المطلوب

شهدت السوق السورية خلال السنتين الأخيرتين ارتفاعاً حاداً في جميع السلع الزراعية قياساً بالسنوات العشر الماضية وما قبلها، ما جعل عامة المستهلكين يتحسّرون ويشكون، ويعود ذلك في الغالب إلى تقلص استثمار الحيازات الزراعية، وانخفاض إنتاجها قياساً بحاجة السكان لها، والحال نفسها بالنسبة لإنتاج العلف الحيواني، هذه الظاهرة الخطيرة جداً تستوجب التوقف عندها مليّاً، فإن اتجهنا في أراضي الجمهورية العربية السورية وعلى مرّ الفصول الأربعة، نجد أرضاً صالحة للزراعة ولكنها غير مستثمرة، وتختلف نسبة عدم الاستثمار هذه بين منطقة وأخرى، ويلاحظ أن هذه النسبة ترتفع في مناطق الحيازات ذات المساحات الصغيرة والطبيعية الجبلية، مع الإشارة إلى أن هذه الظاهرة تزداد عاماً بعد آخر ولم تعد تقتصر على الحقول ذات المردودية الضعيفة بل تشمل ذات المردودية الجيدة أيضاً.
يعود عدم استثمار العديد من الحيازات إلى أسباب عدة دفعت أصحاب الحيازات لإهمال حيازاتهم دون استثمار، أبرزها وجود أعمال ومصادر دخل أخرى لدى عشرات آلاف الحائزين، ما جعلهم يهملون زراعة حيازتهم نظراً لضعف مردوديتها قياساً بالعمل التجاري أو الحرفي أو الوظيفي الذي يمارسونه، وقلّة مساحة عقارات الحيازات الزراعية، وقلة الطرق الزراعية عند كثير من الحائزين، ما أضعف إمكانية تخديم العقارات واستثمارها بما يضمن ريعية مقبولة تشجع الحائز للاستثمار، إضافة إلى عدم وجود وقت لدى عشرات آلاف أصحاب الحيازات، بسبب إقامتهم خارج منطقة حيازتهم، أو عدم قدرتهم على العمل الزراعي لأكثر من سبب، وعدم تمكنهم من استخدام عمالة زراعية لأن إنتاج العامل قد لا يعادل- أو لا يقارب– ما يتقاضاه من أجور.
ومن الأسباب التي دفعت أصحاب الحيازات لإهمالها حاجة آلاف الحيازات إلى استصلاح وتسميد وري لا يستطيع كثير من الحائزين تأمين نفقاتها، ومن يملك النفقة قد لا يرى ذلك مجدياً اقتصادياً ما يجعله يحجم عن ذلك، ويخصص ما بين يديه من أموال لاستثمارها في أعمال أخرى، إلى جانب أن كثيراً من الحائزين لا يرغبون تأجير حيازتهم للغير لضعف الثقة بالمستأجر أو المستثمر، وفي حال رغب ذلك قد لا يجد من يستأجر أو يستثمر نتيجة العزوف عن العمل الزراعي بسبب انخفاض مردوده قياساً بمردود الأعمال الأخرى، فالغالبية تتجه للعمل الوظيفي والتجاري والمهني والصناعي والخدمي.
ما سبق يستوجب اهتمام أكثر من طرف رسمي وشعبي، بغية ضمان استثمار الحيازات الزراعية نظراً لأهمية ذلك في تسهيل تأمين لقمة عيش المواطن، وهذا يستدعي تدخل الدولة عبر إجراءات تشجع الإقبال على فرص عمل في الزراعة، من خلال تمكين العديد من طالبي العمل من مناطق هذه الحيازات من استثمار هذه الحيازات واندفاع شركات استثمارية للاستثمار في الزراعة، وسيتطلب هذا الأمر الاستثمار الجماعي لعشرات ومئات الحيازات على أن يتم ذلك بموجب عقود تضمن حقوق الحائزين والمستثمرين والعاملين، مع الإشارة إلى أن الحالة المفضلة تتجلى من خلال قيام الجمعيات الفلاحية التعاونية بترتيب وتنسيق تفاهم وتعاون أعضائها لما يؤسس لأفضل حالة استثمار جماعي لحيازاتهم الصغيرة المتناثرة، وهذا يتطلب تجهيز الطرق الزراعية، وتأمين مياه السقي للعديد من الحيازات من خلال تجهيز العديد من سدات المياه الصغيرة التي تحفظ مياه الأمطار الشتوية، وعلى الدولة أن تحفر العديد من الآبار التي تروي كل منها عشرات الحيازات، لقاء رسوم ري تتقاضاها السلطات من مستثمري الحيازات، على غرار الرسوم التي تتقاضاها من أصحاب الحيازات التي تروى من السدود، شريطة اقتران ذلك بتنمية الثروة الحيوانية التي تضمن توفير السماد العضوي الأقل كلفة والأكثر منفعة ومردودية.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية