اقتصادصحيفة البعث

مناخنا الاستثماري “يقرص” جلده! أخيراً.. مجلس الوزراء يوافق على “الآلية التنفيذية” لجعل هيئة الاستثمار البوابة الأساسية للمستثمر

لا يصح غير الصحيح، مقولة طالما حاول عديدون وضع العصي في عجلات مسيرتها وتطبيقاتها وخاصة اقتصادياً، لكنها اليوم بدأت بتشكل ملامحها حكومياً؛ ما ينبئ عن تغيير في النهج والتوجه الذي يندرج تحت العنوان الوطني الكبير لمشروع “الإصلاح الإداري والاقتصادي في سورية”.  تفاؤلنا بالصحيح عملاً وقراراً وتنفيذاً، لم ينقطع أبداً، ولطالما راهنَّا كسوريين ولانزال على أن يقود هذا “الصحيح” في خواتمه ونتائجه، إلى ما ينتظره قطاعنا الاستثماري خاصة واقتصادنا الوطني عامة، منذ سنوات طوال، كونه المحرك الرئيس لميكانيكية ما يؤمل منه في عملية التنمية سابقاً وإعادة البناء والإعمار حالياً ولاحقاً؛ وتحديداً منذ كانت هيئة الاستثمار مكتباً في شارع بغداد بالعاصمة دمشق، وحُولت إلى ما هي عليه اليوم، ومن ثم أحدث فروع لها في المحافظات، لتخديم المستثمرين والمشاريع الاستثمارية وفق أحدث المعايير الدولية لممارسة أنشطة الأعمال، بحيث تكون المرجع الرئيس إذ لم يكن الوحيد لأي استثمار داخلي أو خارجي، وبصلاحيات واسعة غير مسبوقة.

تلك الصلاحيات التي قرص مناخنا الاستثماري جلده تصديقاً لها مجدداً، لم يُمهد لها الطريق الصحيح إلى التنفيذ أيام حكومة العطري وما بعدها، لكنها وقبل بضعة أيام تعود للواجهة لتعيد لهيئة استثمارنا السورية اعتبارها ودورها ومسؤولياتها التي أحدثت لأجلها. وهنا نلفت عناية أصحاب القرار إلى ضرورة فك الارتباط ما بين الهيئة كهيئة لها مهامها ودورها، وما بين قانون الاستثمار العتيد، الذي جعل من الهيئة مادة من مواده…؟!

لعل

ولعل موافقة رئاسة مجلس الوزراء أخيراً -حسبما علمنا من مصدر حكومي مطلع- على “الآلية التنفيذية لجعل الهيئة البوابة الأساسية للمستثمر”، بعد مناقشته للعرض الذي قدمه مديرها في الاجتماع الخاص بهذا الشأن، تمثل باعتقادنا خطاً جديداً في مقاربة مفهومنا للاستثمار ومتطلباته، ولاسيما أننا مقبلون على مرحلة نشاط وحراك استثماري كبير وواسع ومتنوع، من أولى وأولوية مقتضياته أن تكون الهيئة القائد لدفة ملفاته، بعيداً عن تعدد المرجعيات والتدخلات الوزارية وقوانين قطاعاتها الاستثمارية.

الأخضر أُشعل

إذاً ها هي ذي الهيئة تُعطى الضوء الأخضر لتعلن انتصار الصحيح، وتتحضر- كما علمنا- لإطلاق وتنفيذ خطتها الوطنية لإعادة هيكلة نافذتها الواحدة، وتبسيط إجراءات تأسيس وتنفيذ المشاريع الاستثمارية، واضعة نصب عينها رفع جودة وتنافسية خدماتها التي يتوقع من خلالها إنهاء وحل معظم مشكلاتنا الاستثمارية المتمثلة بالتعقيدات الإجرائية وبمشكلة اختصار التكلفة والزمن على المستثمر، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تحسن موقع ومكانة سورية في تراتبيتها التنافسية الاستثمارية العالمية، على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال.

وبحسب المصدر أنه ووفقاً للطرح الذي قدمه مدير الهيئة في رئاسة المجلس فقد تم الموافقة على الآلية التنفيذية لتبسيط الإجراءات في الهيئة، وليكون مركز خدمات المستثمر “النافذة الواحدة سابقاً” البوابة الرئيسية للمستثمر، يستطيع من خلالها الحصول على كافة الموافقات والوثائق اللازمة لتنفيذ مشروعه، وتفويض ممثل كل وزارة في النافذة بالصلاحيات التي تخوله التوقيع على أية وثيقة تمنحها الوزارة مباشرة، وليكون المستثمر على صلة مباشرة بالخطوات والمدة الزمنية والتكاليف المطلوبة لتنفيذ مشروعه.

الواجهة الأوحد

وتضمنت الآلية التنفيذية لجعل الهيئة البوابة الأساسية للمستثمر وفقاً لما عرضها مدير عام الهيئة أمام الحكومة، خطة وطنية وآلية تنفيذية مرتبطة بالزمن لتحقيق الرؤية الاستثمارية المستقبلية للهيئة والمتمثلة بـضمان تأسيس وإقامة المشاريع الاستثمارية وتبسيط إجراءات الترخيص لاستقطاب الاستثمار المحلي والأجنبي، وتضمنت كذلك تصور الهيئة لمفهوم المحطة الواحدة والمتطلبات اللازمة لتحقيقيه، وانعكاسات تطبيقه على البيئة المؤسساتية الحاضنة للاستثمار في سورية.

وحول ماهية هذه المحطة الواحدة علمت “البعث”، أنها ستكون بمثابة واجهة وحيدة يتعامل معها المستثمر في مكان محدد، بحيث تبدأ الخدمة وتنتهي فيه، وذلك تخفيضاً للتكلفة والزمن والجهد على المستثمرين. إضافة إلى أنه يستلزم أن تكون الهيئة بناءً مؤسساتياً مطوّراً يتخصص بمجموعة كبيرة من المهام، لاستيعاب التطور الضخم في عدد الاستثمارات الخاصة والمشتركة المتدفقة والمتوقع تدفقها إلى سورية، كما يستلزم منها تبسيط الإجراءات، وتقديم الخدمات بشكلها الأمثل، وممارسة الرقابة الفاعلة على المشاريع الاستثمارية.

مضامين لازمة

ولتحقيق ما تقدم وفقاً للمصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه وصفته، حددت الهيئة مجموعة من المتطلبات وصلت في عددها إلى سبعة، أما في مضامينها، فأكدت فيها ضرورة التعاون والتنسيق مع الوزارات لإعادة هيكلة النافذة ضمن مكتب أمامي ومكتب خلفي، فبالنسبة للمكتب الأمامي: تعتبر النافذة الواحدة في الهيئة هي المكتب الأمامي بالنسبة للمستثمر، والمكان الوحيد الذي سيحصل منه على كافة الموافقات والوثائق اللازمة لتنفيذ مشروعه، ويكون ممثلو الوزارات بمثابة جزء من النافذة ومفوضين بكافة الصلاحيات اللازمة والكافية من وزارتهم لمنح الموافقات والتراخيص للمشروع الاستثماري.

وأما بالنسبة للمكتب الخلفي: هو الوزارة التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع ممثلها في النافذة الواحدة، بحيث يستطيع الممثل أن يستعين عند الحاجة بالكادر الفني فيها، ويكون مفوضاً بالصلاحيات اللازمة والكافية التي تخوله بالتوقيع على أي وثيقة تمنحها الوزارة.

وبالانتقال لثاني مضامين متطلبات الهيئة لتحقيق رؤيتها، فشددت على التخصص في تقديم الخدمة من خلال نقل الخدمات إلى هيئة الاستثمار وحصر تقديمها في نافذتها، ليكون المضمون الثالث: تحقيق مفهوم اللامركزية، وتفعيل العمل بالمرسوم 9 لعام 2007، فيما يتعلق بتفويض ممثلين ذوي خبرة واختصاص ،لتقديم خدمات الوزارات، واستكمال التمثيل والتفويض اللازم والكافي لها في النافذة الواحدة في الهيئة. ووفقاً للرابع من المضامين، أكدت الهيئة على وجوب تبسيط النماذج وهيكلتها وطلب الثبوتيات مرة واحدة، وإعادة استخدام الموجود، وحصر الخدمات التي ضمن الوزارة المختصة لإعداد دليل إجرائي موحد وشفاف مرتبط بالزمن، ليصل خامس المضامين إلى العمل للوصول إلى فروع للهيئة في المحافظات السورية، وتقدم الخدمات بنفس سوية المركز وهيكلته، وبنفس التمثيل الكافي من الوزارات.

ولم يغب الجانب التقني والمعلوماتي عن مضامين الخطة، فأكدت على دعم الربط الشبكي بين الهيئة وفروعها والوزارات والجهات المعنية، واستكمال الشق المتعلق بالإجراءات البينية لممثلي الوزارات ووزاراتهم في الدراسة التحليلية، وتنفيذ تجهيز البنية الحاسبية والنظام البرمجي لأتمتة عمليات النافذة الواحدة، وتطبيق طرق الدفع الإلكتروني والتبادل الإلكتروني للوثائق؛ لتحقيق السرعة في تقديم الخدمة، وحصر الاتفاقيات البينية بين الجهات العامة لتقديم الخدمة بسرعة، وباستخدام أدوات المعلوماتية؛ ليكون سادس وختام المضامين: توفير المساحة الكافية لاستيعاب المكاتب الفنية للوزارات المعنية في النافذة، وتوسيع الملاك العددي للهيئة، ورفدها بما يكفي من موظفين مؤهلين لأداء العمل، ودعم تدريب وتأهيل الكوادر الحالية والجديدة لرفع كفاءة الأداء وفعاليته.

البرنامج الزمني للتنفيذ لم يغب أيضاً، بل حددت مدته بعام واحد فقط،  مقسم على أربع مراحل؛ الأولى: التفويضات المباشرة وتمتد لشهر واحد، والثانية: لتشكيل اللجان والاتفاق على الخدمات والإجراءات وتمتد لأربعة أشهر، أما الثالثة فخاصة بآلية العمل الجديدة وإصدار الدليل وتمتد لشهر واحد، ورابعاً وأخيراً المرحلة الرابعة التي ستهتم باستكمال الدراسة التحليلية وبناء نظام الأتمتة، وستأخذ هذه الخطوة فترة ستة أشهر كاملة، بعدها تدخل النافذة الواحدة لهيئة الاستثمار قيد التنفيذ.

ستؤدي إلى..

خلاصة كل ما تقدم سيؤدي وفقاً لما وافقت عليه الحكومة، إلى تحسين ترتيب سورية في تقرير سهولة ممارسة الأعمال، وإيجاد مركز خدمات مستثمر يقدم خدمات متكاملة وتنافسية ذات جودة عالية، يخفض عدد الإجراءات والتكلفة والزمن، ويحقق السرعة بتنفيذ الأعمال، كما من شأنه كسب رضا المستثمر متلقي الخدمة، ورضا الحكومة عن الجهة المنفذة، إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات موحدة يمكن الاعتماد عليها في إعداد الدراسات ورسم السياسات، ورفد الفرص الاستثمارية بمعلومات كافية ولازمة لها، وتوفير كافة المعلومات والوثائق للمستثمر، وتسريع تحويل فرص الخارطة الاستثمارية والمشاريع المطروحة من المستثمر إلى مشاريع منفذة ومنتجة ومشغّلة للعمالة من جهة، ومن جهة ثانية إمكانية التتبع الفعال للمشاريع الاستثمارية على اختلافها “حديثة، متوقفة، متعثرة”، وإيجاد الحلول السريعة لمشكلاتها.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmai.com