بين قوسين مستشارون بعقلية “هوليودية”!
يحظى المستشارون الذين تعجّ بهم المؤسسات العامة والوزارات بالعديد من الامتيازات الجاذبة للباحثين عن فرصة مرموقة ومقعد وظيفي من تصنيف الـ (5نجوم)، ومع إمكانية الجزم بأن أغلبيتهم يعانون من البطالة المقنّعة مع التزايد الملحوظ في أعداد الداخلين منهم في بورصة بحث أصحاب القرار عن المعلومة الصحيحة التي يفترض بالمستشار إيجادها وتقديمها في الوقت المناسب مدعّمة بالخيارات، وذلك ضمن رؤى وخطط استراتيجية واضحة المعالم والخطوات من شأنها تجنيب الجهات التي يعمل بها منغّصات عنق الزجاجة وحلحلة الأزمات وفكفكة تفاصيلها ومن ثم إعادة ترتيب الأولويات وتركيب الوصفات العلاجية وصولاً إلى الحلول والمعالجات.
لكن لو حاولنا إسقاط هذه المهام على العديد من القرارات المخيّبة لآمال الناس والتي داهمت كينوناتهم الاجتماعية والاقتصادية وحتى الإدارية سواء على المدى القصير أم الطويل، لوجدنا انحرافاً خطيراً في مسار هذه المهمة وانتكاسة قاسية في اتجاه المعلومة وبوصلة قرارها الذي لم نعُد نُفاجأ بعكسية نتائجه المبنية على معلومة مغلوطة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل يتوغل المستشار أكثر في غياهب القرار الخاطئ ويخفي حقيقة الردود تجاهه ويحجب الثقة عن رأي وموقف الشارع دون أي اعتبار لمقوّمات المعلومة الصحيحة التي من المفترض توفرها في نصيحته، مثل الوضوح والشمول والإبداع والتجديد البعيد عن الأفكار الخيالية الممسوخة بالعقلية “الهوليودية” والمشوّهة بنقل أعمى لتجارب افتراضية معزولة عن البيئة والواقع الاجتماعي المعيشي والثقافي والديني والاقتصادي الموجود فعلاً، وتتجاهل في الوقت ذاته الموارد المتاحة أو التي يمكن توفيرها للحصول على نتائج إيجابية، هذا فضلاً عن استبعادها الخيارات البديلة.
وبصراحة أكثر ومن باب الواقع النابض بالتساؤلات حول مدى كفاءة تلك المنظومة الاستشارية المانحة “للمعلومة الصحيحة” والتي نتحفّظ على مهامها والكثير من رؤاها التي مهّدت الطريق أمام العديد من الانتكاسات الحقيقية التي يعيش المواطن تبعاتها وأزماتها المتعدّدة، نسأل: هل يحمل الكثير من المستشارين في القطاع الحكومي الرؤية المهنية والعلمية والخبرات المتميزة التي تؤهّله أولاً لحمل لقب مستشار، وتخدم وتفيد العمل ثانياً، أم تخضع هذه المهمة لمعايير المجاملة لصديق أو قريب أو زميل بوضعه مستشاراً وخاصة أن الكثير من المستشارين هم من المسؤولين أو المديرين السابقين الذين لم يوفّقوا في إدارة وإنجاح مؤسساتهم التي ما زالت تتخبّط في شبكات قراراتهم وشرانق خسائرهم؟ وهل الهدف من وظيفة المستشار الاستفادة الفعلية من خبرات المرشح لموقع أكثر تفرّغاً وإبداعاً أم إبعاده عن الموقع الذي كان يحتلّه بطريقة مقبولة وظيفياً؟.
ومع سهولة التعيين في هذه الوظيفة المجهولة المعالم وبدافع الحرص على سلامة التوجّهات وصحة القرارات التي تتحكم بمصير الناس، نجد أنه من الضروري إعادة النظر في هذا التوصيف الوظيفي الخارج في معظم ترشيحاته عن سلطة الموضوعية والعلمية والغارق في المحسوبيات؟!.
بشير فرزان