الصفحة الاولى

بين حلب ومسقط

يمكن، وبالعين المجردة، لأي مراقب موضوعي، رؤية الخيط الخفي الذي ربط خلال اليومين الماضيين بين حلب ومسقط، الأولى كأحد أهم عناوين زيارة “دي ميستورا” لدمشق، والثانية كمكان، شديد الرمزية، لبحث “النووي الإيراني”.
وبالطبع يمكن للبعض أن يستنكر هذا الربط بين المدينتين والحدثين، بيد أن الوقائع والدروس التاريخية السابقة أثبتت أن سياسات الدول، لا القبائل، لا تعترف بالصدف والمفاجآت، فما يربط بين الحدثين، بغض النظر عن مآلاتهما المستقبلية، هو، وكما تشي الدلائل المتعددة، ذلك المسار الذي بدأته إدارة أوباما-مختارة أو مرغمة- للبحث عن تسوية معقولة للمنطقة، والعالم من خلفها، على مبدأ “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”.
وللمشككين في هذه القراءة، يمكن لهم التمعن بإرهاصات تغيير متسارعة من حولنا، منها رسائل أوباما الأربع لإيران، وقبلها الفيتوات، الأربعة أيضاً، لروسيا والصين في الشأن السوري، كما مرور نحو أربعة أعوام، أيضاً وأيضاً، على الصمود السوري اللافت، ومنها، على المستوى الدولي، قيام روسيا والصين، وللمرة الأولى في التاريخ الحديث، بإتمام صفقة تجارية ضخمة في قطاع الطاقة بعملة غير الدولار، وعلى المستوى الإقليمي قمة القاهرة الأخيرة بين مصر واليونان وقبرص، وبروز تصدعات مجلس “التهاون” الخليجي إلى العلن، وليس آخر هذه الإرهاصات إعلان لافروف، نقلاً عن “كيري، نهاية حقبة “ائتلاف الدوحة”، وذلك كله يمكن تلخيصه بجملة واحدة: نهاية حقبة رباعي الإرهاب، باريس-الرياض-أنقرة-الدوحة.
بيد أن هذا لا يعني، بحال من الأحوال، أن العدوان على سورية سينتهي غداً، وأن الضحايا لن يسقطوا بعد اليوم، فمن جهة هناك فريق مؤثر في واشنطن لا يريد الحل، كما أن الحلف الرباعي المدنس، والمختلف على كل شيء، متفق على دمائنا، وسوف يستمر بإطلاق نيران حقده علينا، مراهناً على انتصار الجمهوريين في الكونغرس، وعلى قدرة أمواله ونفطه، في عرقلة “الحل”، خوفاً على وجود أطرافه ذاتهم فيما لو “انحلت” الأزمة في سورية دون صك حماية لهم.
هنا، وفي هذا السياق تحديداً، يمكن فهم فكرة “دي ميستورا” عن مناطق “مجمدة النزاع”، ومركزية حلب-كعاصمة اقتصادية ورمز معنوي كبير- فيها، فهذه الفكرة  قد تؤدي إذا لم يُنفذ قرارا مجلس الأمن 2170 و 2178، لخلق مناطق معزولة واقعياً، وليتمّ، لاحقاً، الاعتراف بها كـ “دول” بحكم الأمر الواقع، وبالطبع سيكون لدولة “داعش” مكان مميز ضمن مجموعة دول عرقية ومذهبية الطابع -أوباما لا ينفك يصف المكونات المحلية بدلالات مذهبية- لتؤدي هذه “الدول”، بمجملها، دورين، الأول دور “المحلل” الواقعي ليهودية “إسرائيل”، والثاني دور الحاجز، والمشاغل بالسلاح والدماء، لدول محور مقاومة الأحادية الأمريكية، وبالطبع هذا تحليل مرذول وخشبي..!! عند من يؤمن بقدرة “المعارضة المعتدلة” على إقناع “داعش” و”النصرة” عبر حوار فقهي معمّق بوقف إرهابهم واستحالة فكرة دولة الخلافة..!!.
وبالمحصلة، بين “حلب ومسقط”، كرمزين بالغي الدلالة، سباق على التسوية الشاملة أو التفجير الشامل، والأيام القليلة القادمة مفصل في ذلك، فالمنطقة بأسرها على قلق “كأن الريح تحتها”، ومواجهة هذه الريح، هي للمرة الألف، بتحصين القلعة من الداخل، وهذا يعني حواراً سورياً-سورياً من دون شروط مسبقة، سوى شرط الدولة الوطنية السورية القوية، وهو ما يعني بدوره مشاركة الجميع في المغنم والمغرم، وأول المغارم الانخراط في محاربة الإرهاب، والقبول بالاحتكام إلى رأي الشعب السوري وحده، وآليات ذلك معروفة، لكنها تتطلب من “بعضنا” ضرورة التحلي بميزة الاعتراف بالتغيّر الهائل والحقيقي للشروط الموضوعية التي أنتجت “جنيف1″، سواء ميدانياً أم سياسياً، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
فالتاريخ يسير إلى الأمام، ومن ينظر للخلف، إلا لاستخلاص العبرة والاعتبار، فسيصطدم بحائط الواقع، وهذا أمر لا نريده لسوري، لأننا مقتنعون بأن سورية لكل أبنائها، دون إقصاء أو إلغاء أو تهميش.