“الإعمار” بعهدة مؤسساتنا البحثية.. الحلقي: الحكومة خصصت للجنة إعادة الإعمار 81.5 ملياراً على مدى ثلاثة أعوام المارديني لـ”البعث”: حصر البحث العلمي بالأولويات واستبعاده عن قضايا الترف
عنوان كبير وعلى غاية من الأهمية حمله المؤتمر الذي أقامته الهيئة العليا للبحث العلمي أمس في مدرج جامعة دمشق، والمتمثل بـ “دور المؤسسات العلمية والبحثية في إعادة الإعمار”، إلا أن أمرين عكّرا أجواءه المفعمة بالإيجابية، الأول سوء التنظيم لدرجة أن بعض المدعوين لم يتسنَ لهم معرفة جدول أعمال المؤتمر، نظراً لعدم توزيع بروشور يوضح عناوين المحاضرات وأوراق العمل التي ستطرح في المؤتمر ومواعيدها.
الأمر الثاني هو إحجام الوفد الحكومي المرافق لرئيس الوزراء والمؤلف من سبعة وزراء، عن الإدلاء بأي تصريح للصحفيين، باستثناء وزير التعليم العالي الذي أدلى بتصريح لـ”البعث” تحت إصرار شديد لحظة استقلاله لسيارته لمغادرة مبنى الجامعة.
بالعودة إلى المؤتمر الذي عقد تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي، فقد أكد الحلقي في كلمة له خلال المؤتمر أن عملية إعادة الإعمار تأتي في إطار مشروع تنموي وطني متكامل وشامل وليس إعادة ما دمرته الحرب فحسب، بل تشمل إعادة بناء “روحي، ثقافي، اجتماعي، سياسي، اقتصادي”، لافتاً إلى أهمية دور مؤسسات البحث العلمي كشريك فاعل في إعادة الإعمار من خلال طرح الخطط والأفكار ودراسة التجارب الناجحة للدول الأخرى بما يساهم في تأسيس منهجية متكاملة لعملية إعادة الإعمار في سورية.
دعوة للتشاركية السورية
وأضاف الحلقي: إن الحكومة خصصت للجنة إعادة الإعمار على مدى الثلاثة أعوام الماضية 81.5 مليار ليرة سورية، من الموازنة العامة للدولة لإصلاح الأضرار العامة وصرف التعويضات المستحقة عن الأضرار الخاصة، مبيّناً أنه وانطلاقاً من مبدأ الأولويات سيتم البدء بالمناطق الجغرافية التي أعيد إليها الأمن والاستقرار وأصبحت قادرة على استيعاب عمليات إعادة الإعمار، لتنطلق إلى مناطق أخرى في المحافظات، كما بدأت الحكومة بتأطير التشريعات ذات العلاقة بذلك، ولاسيما قانون التشاركية والاستثمار والإدارة المحلية لعام 2011 وقانون المنظمات غير الحكومية.
وقال الحلقي: التزاماً من الحكومة بالتحضير للمرحلة القادمة واستجابة منها لمتطلبات الأزمة شكلت لجنة مركزية لإعادة الإعمار وارتبطت بها لجان فرعية في المحافظات تشرف على تنفيذ خطط إسعافية سريعة بهدف تأهيل البنى التحتية والمرافق المتضررة في الكثير من المناطق التي أعيد إليها الأمن والاستقرار بما يكفل إعادة الأسر المتضررة والمهجرة إلى أماكن استقرارهم، إضافة إلى صرف التعويضات المستحقة للمواطنين الذين تضررت منازلهم جزئياً أو كلياً.
وانطلاقاً من رؤية الحكومة لتأمين مصادر التمويل اللازمة لإعادة الإعمار، سواء من القطاع الخاص أو الأهلي أو الدول الصديقة، دعا الحلقي رجال الأعمال المتواجدين داخل الوطن وخارجه إلى المشاركة بالإعمار الذي سيكون بمشاركة جميع أبناء سورية وشركاتها من القطاعين العام والخاص وبدعم ومشاركة الشركات الصديقة من الدول التي وقفت إلى جانب سورية في محنتها.
ولفت الحلقي إلى أهمية المؤتمر كونه ينعقد في رحاب جامعة دمشق مركز العلوم والمعرفة والبحث العلمي وبمشاركة كوكبة متميزة من الأساتذة والخبراء، مؤكداً أن انعقاده في الوقت الراهن دليل على حالة المعافاة التي تعيشها البلاد وعلى إيمان السوريين بوطنهم وطموحهم وقدراتهم على استعادة حياتهم الطبيعية ورفض دعوات التطرف والجهل.
بمفهوم شامل
وبيّن الحلقي أن عملية إعادة الإعمار بمفهومها الشامل سواء في البنى التحتية أو الاقتصادية والخدمية أو على مستوى تأهيل وكفاءة رأس المال البشري من أهم الموضوعات في هذه المرحلة الحساسة، وهي تشترط التوافق المجتمعي وإرساء الأمن والاستقرار ما يجعل من أولويات الحكومة الاستمرار في محاربة الإرهاب والإرهابيين وتعميم ثقافة المصالحات المحلية والمناطقية وصولاً إلى المصالحة الوطنية الشاملة والعمل على استكمال تطوير الرؤية الوطنية لإعادة الإعمار والتنمية في سورية وتطوير منهجية إدارة هذه العملية وفق الأسس والمعايير العالمية لإعادة الإعمار والتنمية.
وأكد أن دور مؤسسات البحث العلمي يبرز من خلال تعزيز ثقافة التعاون والتعاضد ووضوح الرؤية لدى كل المخططين والدارسين والقائمين والمتقدمين لها، سواء في إعادة الإعمار أو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لما تتضمنه هذه المؤسسات من منارات علمية وكفاءات بشرية وإمكانات علمية كبيرة، متمنياً أن تركز نقاشات المؤتمر على تقديم أفكار ومقترحات علمية تساعد في التخفيف من المنعكسات السلبية للأزمة وتخدم مشروع إعادة الإعمار وتعزز التشاركية بين المؤسسات العلمية البحثية والجهات الحكومية والخاصة.
وأوضح الحلقي أن التحدي الذي تواجهه الدولة السورية يزداد على كل المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية نظراً لحجم الأضرار الجسام في الموارد البشرية والمادية ومن خلال التدمير الممنهج الذي قامت به العصابات الإرهابية المسلحة للمباني والمرافق العامة والبنى التحتية والمنشآت الاقتصادية الخاصة والعامة، إضافة إلى التخريب المتعمد للمعالم الثقافية والتاريخية لطمس الهوية الثقافية السورية الحضارية، مجدداً تأكيده أن سورية رغم كل ذلك تدخل عامها الرابع من الأزمة بمزيد من الصمود والإنجازات والتضحيات من قبل الشعب والجيش العربي السوري الذي بات أكثر صلابة وتمسكاً بثوابته الوطنية والقومية.
ضرورة وليس ترفاً
وزير التعليم العالي محمد عامر المارديني أوضح أن المؤتمر يندرج ضمن إطار الأولويات وليس ضرباً من ضروب الترف والرفاهية، وذلك بغية تجميع الكوادر السورية القادرة على إجراء البحث العلمي التطبيقي الخاص بإعادة الإعمار، مشدداً في تصريح خاص لـ”البعث” على أن البحث العلمي يجب ألا يبقى ترفاً في جامعاتنا، أو مجرد وسيلة للحصول على عضوية الهيئة التدريسية، أو رسائل الماجستير والدكتوراه، بل يجب أن يمرّ الجميع من بوتقة واحدة هي إعادة الإعمار.
وأكد المارديني أن مجلس التعليم العالي يعمل على استبعاد البحث العلمي عن قضايا الترف وحصره في الأولويات، بحيث تكون المشكلات التي تعاني منها الدولة في كل القطاعات جزءاً أساسياً من البحث العلمي.
دمشق– حسن النابلسي– محمد زكريا