فـي حـفـل تـكــريـمــه.. الموسيقار سهيل عرفة: على الشباب قراءة كتابي ليتعلّموا كيف يصبحون نجوماً
سكنت أعمال وألحان الموسيقار سهيل عرفة ذاكرة الناس ودخلت في شرايين كل مواطن عربي، واللافت في الأمر أن هذا الفنان الكبير لم تثقفه المدارس والجامعات والمعاهد الأكاديمية، بل ثقفته الحياة ورغبته الكبيرة في التعلم من بعض شيوخ (الكار)، فاستطاع بقوة وعزم وكفاح أن يشق طريقه في عالم الفن الموسيقي الواسع المدى، وبالهواية والموهبة والمتابعة والاستماع استطاع أن يصل إلى مرتبة متقدمة مشرقة في عالم اللحن والموسيقا والغناء وأن يحصل على جوائز وميداليات عربية وعالمية.
في الأمس، كان حفل توقيع كتاب “النغم والكلمة” في حياة الموسيقار سهيل عرفة ابن دمشق القديمة، الذي أخذ منها الأصالة والكفاح والعراقة وحب التراث والتمسك بالعادات والتقاليد.
في البداية كان الكتاب عبارة عن مجموعة أوراق ومخطوطات وأناشيد موجودة بحوزة الموسيقار سهيل عرفة قدمها للراحل ياسر المالح ليقوم بصياغتها بأسلوبه الجميل المحبب، لكن المرض ألم به، وكان عرفة يقول دائماً لصديقه د. علي القيّم “دعه يسرع”، فيجيب المالح “عضة كوساية وبيخلص” ويبدو أن المالح رحل و”عضة الكوساية” لم تكمل بعد، فقامت زوجته “أمل خضركي” بإكمال توثيق الكتاب، ووقع الاختيار على د. علي القيّم لكتابة المقدمة كونه متابعاً لمسيرته وعطاءاته.
القامة الكبيرة
وبحضور وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل افتتحت الفعالية بدقيقة صمت إجلالاً لأرواح الشهداء الذين يضحون بدمائهم وبعدها بالنشيد العربي السوري وكان على هامش الحفل تحدث وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل عن هذا الحفل الكريم قائلاً:
هناك مستويان للحديث عن تكريم الموسيقار سهيل عرفة أولاً على المستوى المؤسساتي، وهو بمثابة اعتراف بفضل وجهد هذا المبدع الكبير الذي حفر طريقه -ولا أقول شق طريقه- بالشوك والصعوبات والعوائق لكي يصنع فناً خالداً تتوارثه الأجيال وتستفيد منه ويضيف إلى معارفها ويغنيها، وعندما تقوم وزارة الثقافة بهذا الدور، فهي تؤكد اهتمامها الكامل بهذه القامات الشامخة التي أضافت إلى تراثنا وأغنته وعلينا ألّا ننسى وسام الاستحقاق الذي قلّده السيد الرئيس بشار الأسد للفنان سهيل عرفة وثانياً على المستوى الشخصي عندما نكرّم قامات كبيرة كموسيقارنا الكبير فإننا نكرّم ولو بحد أدنى، وباعتراف بسيط بفضله وجهوده خلال سنوات عديدة على هذا الإرث الحضاري الذي سوف يستمر في التاريخ خالداً لأن الفن بالمحصلة يفتح بوابات الخلود للوطن كله.
وتضمنت الفعالية عرضاً لفيلم عن مسيرة الموسيقار عرفة الإبداعية بصوت ابنته الفنانة أمل عرفة، ومن بعدها ألقى مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب د. جهاد بكفلوني كلمة وكان للبعث وقفة معه، إذ قال: “تنادى محبو الفنان سهيل عرفة للتعبير بوسائلهم الخاصة للتعبير عن كيفية حب وإجلال المبدعين الذين أعطوا لوطنهم الكثير، فهم يستحقون كل التقدير. سورية جميلة ومتجددة، ظلالها تنبسط فيستظل بها المبدعون ليحملوا بها نتاجهم الإنساني وينشرونه عبر الزمان والمكان وعندما نحتفل بالمبدع سهيل عرفة، فهذا لأننا نريد أن نبرهن للعالم أن سورية أرض الحضارات المتجددة، وأننا شعب قادر على تجاوز الأزمات التي لن تكون إلّا ضيفاً طارئاً لن يقيم بيننا، لأن هذا الشعب اعتاد خلال مسيرته الحضارية الطويلة على العيش في إطار وحدة وطنية متماسكة، هذه الوحدة هي التي هيأت المناخ المناسب لتفتح أكمام الإبداع لدى المبدعين بمذاهبهم الفكرية المختلفة.
القالب الحضاري
وفي كلمته التي ألقاها د. علي القيّم صديق الفنان عرفة عبّر فيها عن الصداقة التي تربطه بالفنان الكبير، وفي تصريح للبعث قال: كان لي الشرف أن أكتب مقدمة كتاب “النغم والكلمة” ليكون بين أيدي القراء، قدّم عرفة أعمالاً كثيرة جداً لكبار الفنانين وساهم في ظهورهم وانتشارهم أمثال فهد بلان، نجاح سلام، أمل عرفة، سعاد محمد، وأشياء كثيرة قدمها للوطن. كان عرفة واعياً دائماً لرسالة الفنان، فقد مزج بين التراث والفلكلور وقدمها للمستمع العربي بأسلوب حضاري يعبّر عن حضارة البلد وقيمة الموسيقا الموجودة منذ الألف الثاني قبل الميلاد وعن المدارس الموسيقية الموجودة في ماري وإيبلا وغيرها من المواقع، فسهيل عرفة أخذ من هذا المعين الذي لا ينضب وقام بوضعه وتطويره في قالب حضاري جذاب وبتوزيع بسيط دون الاستعلاء على المستمع ولذلك هو خير معبّر عن جيل العمالقة أمثال محمد محسن، وشاكر بريخان، وعبد الفتاح السكر.
رسالة إلى الشباب
بدوره شكر الموسيقار سهيل عرفة وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب وقدم أحر التعازي برحيل الفنانة صباح التي غادرت دنيانا في الأمس، وأكد أن روحها ستبقى إلى الأبد فهي صديقة، ووجّه تحية للشباب وخاطبهم: هذا الكتاب إهداء للشباب وللجيل الجديد المستعجل على أن يصبح نجماً من أغنية واحدة أو من دور واحد في الدراما، أنا أطلب من الشباب أن يقرؤوا هذا الكتاب ليقدروا أن الدنيا لا تؤخذ من دون مغامرات وخبرات وليمهلوا قليلاً ويتعلموا حتى يصبحوا نجوماً كباراً.
شهرة واسعة
وقال الأديب غسان كلاس: لا شك أن تكريم القامات الإبداعية تعتبر من الأمور الأساسية في المجتمعات التي تحفز المبدعين، ووزارة الثقافة هي بالأصل راعية الإبداع فهي لا تنتج الإبداع فقط إنما تعنى أيضاً بمن ينتجون هذه الإبداعات، الذين وضعوا بصماتهم ونتاجهم سواء كانت أغان أو موسيقى أو كتب أو مسرحيات. والموسيقار سهيل عرفة من المبدعين الذين أفنوا حياتهم في خدمة الفن والكلمة والإبداع، ولحن الكثير وتجاوزت شهرته سورية إلى الوطن العربي، فالعالم، وهناك الكثير من الأغاني والألحان التي تتردد دائماً وستبقى في الذاكرة من الألحان المتميزة.
نظرة الاحترام
وكان لنا وقفة مع نقيب الفنانين زهير رمضان فقال: هذه قضية ثقافية حضارية مهمة جداً أن يكرم فنان مبدع على حياة عينه بوجود أصدقائه وأحبائه، وهذه الحالة التكريمية هي تأكيد على دور ثقافي وفني في المجتمع ورياداته وهو عنصر فعال وأساسي في حياتنا وتطويرنا في هذا الواقع الذي نعيشه. الأمر الآخر والمهم هو نظرة الاحترام والتقدير التي تكنها الدولة لكل إنسان خلاق ومبدع في هذا البلد، لذلك أنا أرى اليوم أن تكريم زميلنا الفنان والموسيقار سهيل عرفة هو حافز يشكل لدى زميل آخر أن يقدم العطاء المميز والناجح والنتيجة هي أن تبقى سورية رغم كل الظروف والمعاناة محط أنظار الجميع بالثقافة والفكر والفنون والإبداع.
العين الساهرة
وعبر الفنان عبد الهادي بقدونس عن سعادته بهذه المبادرة قائلاً: من الجميل الاهتمام بالمبدعين، خاصة بعد أن يكون قد أمضى حياته وهو يعطي البلد من فنه وفي نهاية المطاف يقال له “شكراً”، هذه الكلمة ضرورية جداً للفنان المبدع، وقد تأخروا في تكريم سهيل عرفة لأن له تاريخاً فنياً عريقاً، وهو محافظ على التراث السوري، وكان العين الساهرة على الموسيقى العربية السورية، وتجاربه كبيرة مع مطربين سوريين وعرب وأغانيه لا يمكن نسيانها فهي مزروعة في دمنا.
جـمـان بـركـات