حبل المراوغة قصير..!
عندما لا تستطيع جهة عامة ما الوفاء بقراراتها بشكل مستمر وخلال فترات زمنية متقاربة، دون أدنى شك، ستفقد مصداقيتها لدى المواطنين، وتسبّب لوسائل الإعلام الناشرة لأخبارها، الحرج مبدئياً، ولاحقاً تدني ثقة القراء بما تكتبه هذه الوسائل شيئاً فشيئاً.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، إعلان وزارتي النفط والتجارة الداخلية، توزيع المازوت للمواطنين مرة عبر المختار والبلديات، ومن ثم محطات الوقود وأخيراً بالصهاريج، وحديث وزارة الكهرباء المستمر عن خفض ساعات التقنين، دون تنفيذ أو تقيّد بالمواعيد المذكورة، يقلّل من هيبة هذه الجهات الحكومية المعنية.
وهناك انعكاسات جداً خطيرة على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء يصعب حصرها في زاوية، تضاهي الغاية النفسية والأهداف الدعائية والمراد من تعميم مثل هذه القرارات، إن افترضنا جدلاً أن أولويات مُشرّعْ القرار يتركز حول تهدئة النفوس –حسب ما هو واضح– وذلك ريثما يتمّ تأمين المازوت أو الكهرباء، أو أي مادة أو خدمة أخرى.
وفي حال عَدَلتْ “الوزارة” عن قراراتها وتراجعت أمام ضغط اقتصادي أو اجتماعي، فإن ذلك يؤشر على ضعفها وعدم قدرتها على تنفيذ سياسات الحكومة، ويوحي للكثيرين بأن هذه القرارات خاطئة، ومن يُصدّرها غير جدير بإدارة دفة مهام الوزارة؛ بالمحصلة النهائية، ودون أن تدري تلك الجهة، هي تفتح باباً واسعاً لتّجار الأزمة، ليصولوا ويجولوا بأسعارهم كما يحلو لهم.. ولو خطّط هؤلاء “الجشعون” ليل نهار لما حصلوا على هذه المكاسب التي جاءت بشكل رسمي “حكومي” بامتياز، نتيجة أساليب المراوغة المتّبعة حيناً، وسوء التقدير في أحايين كثيرة؟!.
في المقلب الآخر، ثمة رؤية ثانية تصبّ في السياق نفسه، تؤخذ على جهات عامة بعينها وهي ازدواجية الخطاب والقرارات، نتجت عن غياب البرامج والإستراتيجيات الواضحة، حتى نعتت “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” خلال رئاسة الوزير السابق سمير قاضي أمين، أنها وزارة الوعود والأماني، و”الاقتصاد والتجارة الخارجية” في فترة خضر أورفلي، أنها وزارة الأرقام المتضاربة؟!.
إن عدم توفق القائمين على بعض المفاصل الحكومية الهامة في موازاة أدوارها المتّسعة وتزايد نشاطاتها، جعلها غير قادرة على التوفيق بين متطلبات العمل وقدراتها الفعلية على تحقيقها، فلم تتمكن هذه الأجهزة الرئيسية بالحكومة من تكييف وتحديث هياكلها التنظيمية بشكل يساعد على أداء يرتقي إلى مستوى الأزمة وتداعياتها، بل اقتصر دورها على إجراء بعض التعديلات المحدودة التي لا تفي بالغرض وتفتقر إلى النظرة الشمولية. كما أن الافتقار إلى وجود أداة فعالة لمتابعة وتقويم قرارات وإجراءات تخرج بها تلك الجهات دون مسوغ اقتصادي أو اجتماعي، شجّع مسؤولين على التمادي في العزف على الأوتار النفسية للمستهلك، متجاهلين أن حبل الكذب قصير مهما امتد؟! وأن العبرة في النتائج، وبمن يضحك أخيراً.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com