في ندوة كاتب وموقف.. ياسر المالح.. نصفه قلم ونصفه نغم
كانت ندوة “كاتب وموقف” التي أقيمت مؤخراً في ثقافي أبو رمانة بإدارة الإعلامي عبد الرحمن الحلبي هي الندوة الأولى التي يحضر اسمه فيها دون أن يكون حاضراً بعد أن غيبه الموت عن كل الأمكنة التي كان يحبها ويتواجد فيها، ومنها ثقافي أبو رمانة الذي كان بيتاً آخر له يدعو إليه مساء كل خميس محبي الموسيقا من خلال النادي الموسيقي الذي أسسه وقدم فيه نحو 200 جلسة موسيقية. وبينت زوجته السيدة أمل خضركي في هذه الندوة التي خصصت للحديث عنه أن حب الراحل المالح للموسيقا لم يكن مجرد نزوة وهو الذي تعرف عليها في رحم أمه التي كانت تعزف على آلة العود التي بدأ العزف عليها وهو في التاسعة من عمره، فكان خير مرافق لأمه في جلساتها النسائية يعزف ويغني وقد ظل جمال صوته مرافقاً له، ولذلك ارتأت خضركي أن تسمع الحضور أغنية للمطرب محمد عبد الوهاب غنّاها المالح مع الأوركسترا مشيرة كذلك إلى اهتمام المالح بكتابة القصائد الغنائية فقرأت أمام الحضور قصيدتين له، الأولى غنتها الراحلة إنعام صالح عام 1975 بعنوان “غفران” والثانية لُحِّنت عام 2010 من قبل ياسين العائق وغنتها إيناس لطوف، بالإضافة إلى قصيدة “أمي” التي كتبها ولحنها هو وغنتها الراحلة مها الجابري.
ولأن خضركي أرادت في هذه الأمسية أن تختار بعض المحطات الخاصة من إبداعات المالح قرأت لأول مرة قصيدة “شامي الحبيبة” التي كتبها لدمشق وهو بعيد عنها:
طال البعد والشوق ضرامْ فخذيني واحضنيني يا شآم
كما اختارت بضعة أسطر من قصيدة ثانية كتبها عن دمشق وهو في فرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية عام 1994 وكانت تحت عنوان “رسالة إلى حبيبتي”:
“دمشقي الحبيبة/لو كان ما في الكون ملكي وخيّروني/لاخترتُ أن أحيا حياتي في الذرا/من قاسيون”
ولأن شعار المالح في الحياة كان “أتقن عملك تهزم عدوك أكدت خضركي أن المالح كان منظَّماً جداً، يحب عمله ويتقنه إتقاناً كبيراً، بالإضافة إلى أنه كان يختار لمحاضراته أو مقالاته أو برامجه الإذاعية أو التلفزيونية موضوعات تلقى اهتماماً شعبياً، ويقضي معظم وقته في مكتبه، وإذا لمعت بذهنه فكرة ما كان يشتغل عليها في اللاوعي إلى أن تنضج منوهة إلى أنه كان يحب إشراكها في كل عمل، ويستفيد من أي حوار يدور بينهما ويعتبرها شريكته في كل شيء ويأخذ برأيها دائماً ولا ينشر مقالاً أو يلقي محاضرة أو يبدع برنامج منوعات أو غيره إلا بعد أن تبدي رأيها به فيعدّل به إلى أن يرضيا عنه معاً مشيرة إلى أنها شاركته خمساً وعشرين سنة مليئة بالحوارات المفيدة والإبداعات، فألَّفْا معاً كتاب “سهرة في بيتنا” وأنجزا جزءاً كبيراً من قاموس بعنوان “كلمات شامية تبحث عن جذورها” ستسعى إلى إكماله ودفعه إلى الطباعة، مبينة أنها أكملت مؤخراً ما بدأه في كتابة سيرة الفنان السوري المبدع الملحن سهيل عرفة، وهو الكتاب الذي صدر ضمن حفل في دار الأوبرا منذ أيام قليلة، كما أشارت خضركي إلى أنها شاركته في تأليف مناهج مبتكرة في مادة اللغة العربية للناطقين بغيرها وتعليمها لهم صغاراً وكباراً، وصدرت كتب بهذا المجال دُرِّسَت في أميركا منذ العام 2009.
وختمت خضركي كلامها مؤكدة أنها تغلبت على البوح عن مشاعر حزنها لفقده لأنه كان يكره الحزن والأسى والشكوى والبكاء، ويؤثر أن تطغى الفرحة والبسمة على نفوسنا وشفاهنا مخاطبة المالح قائلاً: “ياسر المالح كنتَ تقول عن نفسك: أنا نصفي قلم ونصفي نغم” وأنا أضيف أنك كلك حب وحنان، وكلّي لغيابك ألم.
إنسان موسوعي
أما د.علي القيم الذي تعرّف على المالح في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وقد سبق ذلك معرفته لكل البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي كان يشارك فيها، بين أنه لا ينسى أبداً ما كان يردده: “الإنسان نصفه قلم ونصفه نغم” فكان الخطاط والموسيقي والأديب والشاعر وبهذا كان برأيه إنساناً موسوعياً، ولأن د.القيم لا يؤمن بالتخصص في العلوم الإنسانية كان المالح من أولئك العظام الموسوعيين الذي كان يحاور في كل المواضيع: الخط-الموسيقا-الشعر..” منوهاً إلى كتاب جديد عبارة عن ديوان شعرٍ جديدٍ له سيصدر قريباً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، مؤكداً أنه برحيله فقدت ساحتنا إنساناً كبيراً أغنى المكتبة العربية بإبداعاته الإذاعية والتلفزيونية والموسيقية والمسرحية، كما لا يمكنه أن ينسى كيف أن الراحل المبدع رفض وضع اسمه كعضو في اللجنة العليا لجائزة الدولة التقديرية والتشجيعية لأنه كان في حالة مرض رافضاً وضع اسمه دون أن يكون له عمل حقيقيّ.
أعمال قيد التنفيذ
ولأن الموسيقا تهذب العقول والنفوس حرص المالح من خلال مسيرته على أن يكون رفيقاً لها ولاسيما من خلال النادي الموسيقي الذي أسسه في ثقافي أبو رمانة مبيناً د.القيم أنه كان يفعل ذلك دون أي مقابل ليكون النادي برنامجاً تثقيفياً في مجال الموسيقا، وهو الذي يمتلك ثقافة موسيقية رفيعة المستوى، مشيراً إلى أن مجموعة من أعمال المالح الموسيقية ستُنفَّذ من خلال المعهد الموسيقيّ والأوركسترا السيمفونية، مع إقامة حفل يُقدَّم فيه بعض ما كتبه ولحّنه ولاسيما أغانيه الخاصة بالأطفال، منوهاً إلى التسجيلات الصوتية للمالح لأغاني محمد عبد الوهاب والتي تفصح عن إمكانياته الصوتية، مؤكداً أن المالح في كل ما قدمه حاول ألا يدخل التعقيد إلى المتلقي فكان أسلوبه بسيطاً ومحبباً وهذا ما جعله ينجح في مخاطبة الطفل من خلال برنامج الأطفال الشهير أفتح يا سمسم، وقد كان له الفضل الكبير فيه في مخاطبة الطفل باللغة العربية الفصحى التي أصر على استخدامها فيه.
النغم والكلمة
وتحدث الملحن سهيل عرفة كذلك في هذه الندوة عن الكتاب الذي ألّفه المالح حول تجربته تحت عنوان “النغم والكلمة” وقد رصد فيه مسيرة عرفة الفنية الطويلة ليكون هذا الكتاب خير توثيق لهذه المسيرة بكل جوانبها، مبيناً عرفة أن المالح ألّف الكتاب بأسلوب مشوق وممتع وقد بدا لكل من قرأه كأنه مسلسل دراميّ.
أمينة عباس