ثقافة

عدد خاص عن القصة القصيرة السورية في مجلة “المعرفة” ناظم مهنا: فن نخبوي تخلت الصحافة عنه

كان الإعلان عن عدد خاص بالقصة القصيرة السورية في مجلة “المعرفة” صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب نوعاً من المجازفة، لاسيما في مثل هذه الظروف المعروفة التي يُضاف إليها أن القصة القصيرة تعيش خريفها الطويل منذ عقود وتأكيد النقاد على أن هذا الفن الصعب في حالة أفول وقد رحل أعلامه الكبار عن الدنيا، تاركين خلفهم إرثاً مجيداً لم يستطع الأحفاد الحفاظ عليه.

المفاجأة
وبين الأديب ناظم مهنا رئيس تحرير مجلة المعرفة أن المجلة أعلنت عن العدد الخاص في الوقت الذي شكك فيه البعض بإمكانية جمع ما هو كافٍ من القصص لإصدار عدد خاص ومميز، إلا أن تشجيع د.ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب ومساعدته في التواصل مع بعض الكتّاب سهَّل المهمة، وكانت المفاجأة أنه ما إن تم الإعلان عن العدد على صفحات المجلة حتى تدفقت القصص ووصلت مشاركاتٌ من كتّاب القصة السوريين في أماكن وجودهم وانتشارهم، وقد وفَّرت كثرة المساهمات متعة الاختيار والتنوع مما بعث على الرضا، خاصة وأن القصص كُتِبَت بمستويات أسلوبية متعددة، وقد ظهر في هذه القصص بشكل جليّ وقعُ الحرب الطويلة وتأثيرها على النفوس وعلى الكتابة، فمعظم القصص فيها هذا الأثر الذي عبَّر عنه الكتّاب بشكل مباشر أو غير مباشر، صريح أو عبر الإشارات والإيحاءات، وهذا بحد ذاته برأي مهنا تفاعلٌ مع ما يجري وتعاطٍ مع الواقع، منوهاً إلى أن بعض القصص رصدت البطولات التي حققها أبطال الجيش وهم يتصدون للإرهاب، وهذا لم يكن مطلوباً، بل جاء عفو الخاطر، والمجلة رحَّبت بالأنماط والموضوعات المختلفة، مع الإشارة إلى تفاوت المستويات، وهذا برأيه أمر طبيعي لأنه عدد خاص بالكتابة القصصية وليس مختارات قصصية، عبَّر فيه نحو خمسين كاتباً عن طرقهم وأساليبهم في كتابة القصة وأكدوا أن فن القصة ما يزال موجوداً وحاضراً لا يندثر بعد كل الإنجازات التي حققها المبدعون القصصيون السوريون منذ مطلع القرن الماضي، منوهاً إلى محاولات بعض الكتّاب للتجديد إلى جانب النمط التقليدي، مع إفساح المجال لكتّاب القصة القصيرة جداً.

بلا مقدمات
وأوضح مهنا أن العدد خُصِّصَ للقصص وأُغفِلَت الدراسات والبحوث لأعداد تالية انطلاقاً من الإيمان أن كتّاب القصة يعرفون نظريات الكتابة القصصية وتاريخ هذا الفن فكان من الأفضل برأيه أن تدع المجلة الكتابة القصصية تعبِّر عن ذاتها وأن يكون التماس مباشراً بين القارئ والنص بلا مقدمات، مؤكداً أن كل الكتّاب المشاركين وغير المشاركين كانت لهم مكانتهم واحترامهم وتقدير تجربتهم الإبداعية ولم تشأ المجلة أن تتدخل في تقييم أو تفضيل بين قاصٍّ وآخر أو بين قصة وأخرى ليكون الأمر متروكاً للقراء.

صياح الديك
وعن سبب تسيّد الرواية اليوم على حساب القصة رأى مهنا أن مردود الرواية اليوم أكثر وأهم لأن القصة فن نخبويّ تخلت الصحافة عنه وهي التي كانت محتضنة له من خلال صفحاتها لتبقى الرواية الأكثر إغراءً للكتّاب، خاصة في عصرنا الحالي عصر التلفزيون وإمكانية تحويلها لسيناريو، ولذلك تحول عددٌ من كتّاب القصة لكتابة الرواية على الرغم من حاجتها للتفرغ والوقت الطويل، ولم ينكر مهنا أن لديه محاولات لكتابتها منذ فترة طويلة وقد عاد إليها مؤخراً وهو اليوم بصدد إنجاز أول رواية له، مشيراً إلى أنه يعمل بهدوء تام عليها لأنه يريد أن يكون لها وقعٌ في نفوس القراء وهي تحمل عنواناً مبدئياً هو “صياح الديك” وفكرتها الأساسية تقوم على الصدى النفسي لما نعيشه اليوم مع تداعيات الزمن فيها ما بين الماضي والحاضر والمستقبل بأسلوب تهكّمي، معترفاً مهنا أن القصة ما زالت الأقرب إلى نفسه، فمن خلالها يستطيع  البوح عبر صفحاتها القليلة بشكل مكثَّف ومركَّز، في حين أن الرواية تتطلب أحياناً ثرثرة والتركيز على التفاصيل مع أن مهنا يجد أن قصصه كانت عبارة عن روايات مضغوطة، ولأن الكتابة شيء واحد أوضح أن لا صعوبة لدى الكاتب في الانتقال من كتابة القصة إلى الرواية، والعكس كذلك صحيح، مع إشارته إلى أن بعض الكتّاب لا يميلون إلى الكتابات الطويلة، وهذا هو ما يحدد الاتجاه للقصة أو الرواية.
وعن القصة السورية في هذا العصر بيّن مهنا أن كتّابنا تعاملوا مع القصة على أنها فن جديد على الرغم من وعيهم لتراثهم الحكائي، وانفتحوا على المؤثرات الخارجية لفن القص منذ مطلع القرن العشرين وبدأت القصة بالمحاكاة والتقليد ثم تطورت حتى غدت فناً واقعياً ناضجاً له ملامح وخصائص محلية، وظهرت هذه الانعطافة في التطور الفني للقصة منذ بداية الخمسينيات من القرن العشرين وظهر أعلام كبار لتبلغ ذروتها في سبعينيات القرن الماضي، ثم بدأت القصة تنحسر وتتراجع، ليس عندنا فحسب بل في كل أنحاء العالم. وأشار إلى أنه مهما يكن نوع الجنس الأدبي قصةً أم شعراً أم رواية فإن الأدب الجيد والمؤثر هو الذي يعبِّر عن شخصية ووجدان الأمة.
أمينة عباس