محليات

بدعة “تحت التصرّف”؟!

يمرّ العمر الوظيفي ثقيلاً على من ساقته ساقاه أو الأقدار “لا فرق” ليكون بجرّة قلم من المغضوب عليهم أو المستغنى عن خبراتهم وإمكاناتهم، وبلغة الدارج تحت بند “تحت التصرف” الذي ابتدعته البيروقراطية الإدارية ليكون سلاحاً ذا حدّين يخلي المسؤولية من الرقابة من جهة، ويبعد هذا الموضوع على رفوف الأرشيف المنسيّ عن واجهة المنافسة بين طائفة “المستنصبين” وما أكثرهم في الجهاز الحكومي؟.
في دواوين وأضابير الوزارات وتابعاتها من المؤسسات والشركات، تنسج العناكب خيوطها حول أسماء بعينها ويتكدّس الغبار فوق سجلات تتعلق بشخصيات قد تكون عادية من فئة خبير أو باحث أو مهندس فني أو مخّ علمي وإداري وهنا أخطر ما في ملفنا الذي نتناوله، وقد تكون من عيار وزير أو مدير أو مسؤول سابق أعفي أو أقيل أو “استغني عنه” ولم يهُن عليه أن يتحوّل إلى موظف عادي في مديرية أو رئيس قسم، لذا فالبيت أو التعاقد الخاص وربما المقاهي الدوام اليومي براتب حكومي؟.
بصراحة من الصعوبة بمكان تجميع رقم ولو كان تقريبياً عن أعداد الموضوعين تحت التصرّف في الجهات العامة لأسباب تتعلق بالتعتيم الذي تمارسه القيادات الإدارية على العدد والأسماء تجنّباً للحرج التفتيشي وحفاظاً على الموقف المخجل لمن كان صاحب حظوة يوماً وذهب زمانه ولا يرضى الاعتراف بأن عبارة “لو دامت لغيرك لما وصلت إليك” حقيقة لا ريب فيها ونهاية فشل لمن أسقطها من حساباته.
قد يكون النقاش في ملف وضع بعض المسؤولين السابقين “بالتصرف” عبثياً ولاسيما أننا أمام إشكالية ثقافية واجتماعية تتعلق بحجم الاسم نفسه وسوء إدراك وتفسير النظرة المحيطة لمن يعتبر نفسه خُلق ليكون مسؤولاً رفيع المستوى لا “موظفاً”، علماً أن الصيغة القانونية التي تصدر فيها المراسيم وقرارات التعيين أو النقل أو الإعفاء تذكر “…فلان العامل أو الموظف من الفئة………..”، ولكن “المصيبة” الكبرى تتجسّد بالخبرات والكفاءات المركونة وغير المعترف بها وربما “المحاربة” لأسباب شخصية وفردية دون أن يدري بها أحد؟!.
نعترف أن ما دعانا إلى التطرق لهذا الملف الآن تحديداً ما “نمى” إلينا من أن العديد من الوزارات بدأت تتلمّس الوجع وراحت تسارع الخُطا لنفض الغبار عن هذه القضية المزمنة، حيث سمعنا عن أحد الوزراء أنه يخطط لدراسة ملفات الموضوعين لديه وإعادة الاعتبار لهم وحلّ عوالق أسماء أخرى، في خطوة تنهي زمن الغبن والظلم والتحييد والتطفيش والإبعاد التي مورست وما زالت، ما حدا بالكثيرين إلى التفاؤل بإقفال الملف، شرط أن تتحرّك الهيئات والأجهزة الرقابية على مستوى عام وشامل لتبييض صفحات وسجلات الدوائر من بدعة “تحت التصرّف” المغضوب عليها وغير المأسوف على وأدها..؟!.
علي بلال قاسم