صحيفة البعثمحليات

التربية الخاصة بالمعوقين.. الاهتمام نظري والتحديات تثقل عمل الكوادر التربوية

دمشق – البعث 

يواجه الواقع التعليمي الكثير من التحديات التي تزيد من المشكلات بما ينعكس سلباً على الأداء التربوي وعلى العاملين في هذا القطاع المهمّ، وخاصة المعلمين الذين يحملون أعباء العملية التربوية بشكل كامل، فمعلم التربية الخاصة بالمعوقين كغيره من فئات المعلمين يقاسي ما يقاسيه في عمله، إلا أن دوره لم يحظَ بذلك الاهتمام النظري والتطبيقي، بالتوازي مع بروز الاهتمام العالمي بالأشخاص المعوقين (إعاقة حركية، إعاقة سمعية، إعاقة بصرية، توحد، صعوبات تعلم، فرط نشاط مع نقص الانتباه ADHD)، فما هي المشكلات التي يعاني منها معلمو التربية الخاصة بالمعوقين؟ وما هي آمالهم وطموحاتهم التي يصبون إليها لتحقيق أفضل النتائج الممكنة التي يمكن أن تساهم في تمكين الأشخاص المعوقين للوصول بهم إلى أفضل ما تسمح به قدراتهم الخاصة؟

العديدُ من المعلمين المختصين بالتربية الخاصة لتأهيل الأطفال المعوقين المشمولين الذين التقيناهم أكدوا أن أي محاولة لإثبات هذا الدور ميدانياً لا تتعدّى الجهود الفردية لتوسيع الخبرات النظرية والتطبيقية، فمعظم معلمي التربية الخاصة هم من حملة الإجازة الجامعية في التربية أو علم النفس أو علم الاجتماع، ويحملون خبرات نظرية واسعة ومهمّة، إلا أنهم يواجهون مشكلة في عدم القدرة على نقل الخبرات النظرية إلى التطبيق الميداني، وعدم امتلاك الخبرة الميدانية المناسبة، ولاسيما تلك المتعلقة بتشخيص بعض الإعاقات النمائية المتداخلة في مظاهرها السلوكية والعقلية والأكاديمية (توحد بسيط، تخلف عقلي بسيط، صعوبات تعلم نمائية..).

وأشاروا إلى أن المشكلة الأساسية في تربية الأطفال المعوقين وتأهيلهم وتدريبهم تكمن في نقص أعداد المعلمين المؤهلين من مستوى الإجازة الجامعية فما فوق للتعامل مع مختلف حالات الإعاقة، فمعظم من يعمل هم من حملة درجة المعاهد المتوسطة أو الثانوية العامة، ولا يحملون تلك الخبرات النظرية والتطبيقية الكافية حين السعي لفرز حالات الإعاقة العقلية المتداخلة في مستوياتها (بسيطة، متوسطة، شديدة، مزمنة) أو الاكتشاف المبكر لها، نتيجة الظروف السيئة التي خلّفتها الحرب، ولاسيما ما يتعلق منها بضيق الأماكن (صفوف، قاعات تدريب، باحات..) وتخريب وسائل النقل، ونقص التجهيزات اللازمة لتعليم وتدريب الأطفال المعوقين، أو خجل بعض أولياء الأمور وعدم تصريحهم بوجود طفل معوق في الأسرة، ما يعيق عمل الجهات المعنية عند سعيها لتكوين قاعدة بيانات يمكن من خلالها تحديد الاحتياجات البشرية والمادية والمالية اللازمة لتربية وتعليم الأطفال المعوقين.

أما بالنسبة للمؤسّسات التعليمية التابعة للقطاع الخاص، فقد بيّنت هدى ذبيان، وهي صاحبة مركز لرعاية المعوقين، أن أهم الصعوبات التي تعيق تطوير أداء معلم التربية الخاصة تكمن في النقص الشديد في أدوات فرز القدرات العقلية أو التحصيلية أو السلوكية (الاختبارات والمقاييس)، والتي لا تتوفر كثيراً في البيئة المحلية، وإن توفرت فهي أجنبية التصميم وغالية الثمن، وتحتاج إلى ترجمة وتكييف لتناسب البيئة المحلية، كما أن معظم خريجي كليات التربية وعلم النفس يواجهون صعوبة في تطبيق تلك الاختبارات والمقاييس ميدانياً، ويعانون من نقص الخبرة عند محاولة فهم مؤشراتها التشخيصية، أي أن التشخيص الفارقي لا يزال غير واضح في أذهان معلمي التربية الخاصة، كما لا يوجد تنسيق بين الأطباء النفسيين ومعلمي التربية الخاصة. كما أشارت ذبيان إلى النقص الشديد والواضح في الكوادر المتخصّصة بالعلاج الفيزيائي وعلاج صعوبات النطق، وأن أعدادهم محدودة جداً مقارنةً بأعداد الأشخاص المعوقين ممن هم بحاجة لهذا النوع من الخدمات، كما يعاني معلمو التربية الخاصة من ضيق المكان الذي يتيح لهم تطبيق أنشطة حركية وجسدية لتنمية قدرات الأطفال المعوقين لمساعدتهم على نموهم الجسدي السليم، فمعظم مراكز رعاية المعوقين التابعة للقطاع الخاص عبارة عن شقق سكنية مرخصة من قبل الجهات المعنية لمزاولة هذه المهنة، وهناك حاجة إلى مزيد من التسهيلات من قبل الجهات الحكومية لاستغلال المساحات الخضراء والحدائق والملاعب لتنمية مواهب الأطفال المعوقين، وتوفير الدعم المادي والمالي للمراكز التابعة للقطاع الخاص بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية المعنية برعاية المعوقين تحت مظلة حكومية.

وفي إطار البحث في المشكلات المادية والمالية التي تعيق تطوير عمل معلم التربية الخاصة، أكدت الباحثة الاجتماعية عطية الوزان أنه قبل مزاولتها للمهنة في القطاع الخاص كانت تعمل في مجال رعاية المعوقين في القطاع الحكومي، إلا أن تدني مستوى الأجور والتعويضات وعدم تناسبها مع مستوى المعيشة دفع معظم الاختصاصيين للبحث عن فرص أفضل ضمن القطاع الخاص.

وأكدت الوزان على غياب وعي أولياء الأمور بالحاجات الخاصة لأبنائهم المعوقين، وعدم متابعة تقدمهم التحصيلي والسلوكي والعقلي في المنزل، وغياب الوعي بأهمية التعاون مع معلم التربية الخاصة، ما يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة بالشكل الأمثل، بالإضافة إلى غياب شبه تام للمراكز الحكومية التي تُعنى برعاية الأشخاص المعوقين.

وعبرت الوزان عن الأمل بأن تبذل جميع الأطراف المعنية جهودها لدعم مهنة رعاية الأشخاص المعوقين، فالمؤشرات الكمية تؤكد تضاعف حجم المعوقات أمام معلم التربية الخاصة ما يحول دون تمكينه من تقديم أفضل ما لديه وتطوير أدائه والسعي لحلّ جميع مشكلاته المعرفية أو المادية أو المالية وتلمّس مشكلاته النفسية والاجتماعية.