محليات

بين قوسين القطاع العام ضروري.. لمن؟!

بدأ موضوع تطوير وإصلاح القطاع العام منذ ربع قرن من الزمن على الأقل!، وتشكلت لجان للتطوير، توصل بعضها إلى إنجاز أكثر من مشروع للتحديث كان أجرأها مشروع فصل الإدارة عن الملكية، وإدارة القطاع العام بعقلية القطاع الخاص، وما إن وصلت إحدى اللجان إلى صيغة مشروع قانون لإصلاح القطاع العام حتى وُضع في الأدراج، وبدأ العمل من جديد بلجان جديدة بلا أفق!.
ونستنتج من خلال تجربة السنوات الماضية أن الجهة الوحيدة الصادقة في دعوتها لتطوير القطاع العام كانت وما زالت مؤتمرات حزب البعث الاشتراكي، ولكن لم تأخذ أي حكومة بتوصياتها ومقرراتها، بل بعضها فعل عكسها تماماً!.
الكل يؤكد أن القطاع العام ضروري دون أن يجرؤ أحد على الإجابة عن السؤال: ضروريٌّ لمن؟.
اتحاد نقابات العمال يقوى بالقطاع العام، وبالتالي من الطبيعي أن يطالب بتطويره وإصلاحه وتحديثه ورفض أي محاولة لتحجيمه وتصفيته عبر الخصخصة أو إغلاق شركاته كما فعل الفريق الاقتصادي في الحكومة السابقة خلال السنوات 2003 – 2010!.
قد يستغرب بعضهم عندما يكتشف أن جهات متعددة من القطاع الخاص هي الأكثر تمسكاً بالقطاع العام وتدعم توسيعه وتحديثه وتجديده بل ريادته على القطاعات الاقتصادية الأخرى!، وهذه الجهات قد تكون شركات محلية أو متعهّدين أو وكلاء لشركات أجنبية!، بل إن بعض الوكلاء يضغطون عبر متنفذين لدفع الحكومة إلى اعتماد خيار تجديد خطوط الإنتاج أو تركيب خطوط جديدة، أو إقامة معامل جديدة؟.
ولا ننسى الفاسدين فهم الشريحة الفاعلة التي تجد في استمرار القطاع العام ضرورة لا غنى عنها، فمن دونه يفقدون مصدراً لا ينضب لنهب الأموال العامة!.
أما المتنفذون فالقطاع العام هو مصدر للجاه والسلطة والنفوذ، يعينون فيه الأقرباء والموالين لإدارة شركاته على طريقة المزارع الخاصة!.
وبما أن أغلبية إدارات القطاع العام أتت بالوساطة وليس بالكفاءة والخبرة والنزاهة، فإن صوتها الأكثر ارتفاعاً وصخباً بضرورة القطاع العام كيلا تفقد مناصبها ونفوذها وتتحوّل إلى عاطلة عن العمل!.
لاحظوا أن الأكثر تهجّماً وانتقاداً للقطاع العام هم المديرون السابقون الذين فقدوا أي أمل بالعودة إلى منصب “المدير العام”!.
طبعاً لا أحد يكترث كيف يمكن لشركة تخسر المليارات أن يظهر الجاه والبذخ والعقارات والودائع المصرفية في البنوك الخارجية والمحلية على مديرها العام “السابق”، ترى لماذا لا يسأل أحد هذا المدير: من أين لك هذا؟.
لعل المعضلة تكمن هنا: مَن يسأل مَن؟!.
علي عبود