نقطة ساخنة تجريم الرشوة
ما تبدّل خلال الأزمة أفعال الفساد، حيث تقدّمت الرشوة مراتب إلى الأمام بخطوات سابقة نوعي الفساد الآخرين: استغلال أصحاب النفوذ، واختلاس الأموال العامة.
وبروز الرشوة كأكثر أنواع الفساد انتشاراً، كان نتيجة طبيعية تتناسب طرداً مع تزايد متطلبات المواطنين لتأمين المواد الضرورية وتحديداً الأساسية منها مثل المازوت والغاز، وخدمات مهمة جداً، كالمواصلات والنقل والصحة.
المواطن في نهاية المطاف هو من يتحمّل تكاليف وأعباء مادية، لم يكن ليتحمّلها لولا وجود هذا الانحراف الوظيفي والأخلاقي، الأمر الذي أربك تداول هذه السلع والخدمات.
أما لماذا انتشرت الرشوة على المستويين الشعبي والقطاع الخاص بشكل أوسع من “المفاسد” الأخرى السالفة الذكر؟، فالجواب باختصار: لأن قانون العقوبات السوري لم يجرّم الرشوة في القطاع الخاص وهو نقص تشريعي لا بدّ من أن يتداركه المشرّع بالتدخل التشريعي لتجريمه، إذ إن عدم الوصول إلى ذلك ساعد على تفشّيه على المستويين الحكومي والخاص لاحقاً!.
بالمقابل لوحظ تراجع الفساد الناتج عن اختلاس الأموال العامة وخصوصاً خلال الأزمة، لأن القانون كان صارماً فلم يسمح للموظف بالتصرّف بما بين يديه من المال العام إلا في الحدود المرسومة له قانوناً، وإن تصرف به، عُدّ مرتكباً لجريمة الاختلاس التي تعدّ دولياً ثاني أشدّ جريمة فساد بعد الرشوة، إلا أن المشرّعين ودون أي مبرر أخلاقي أو إداري يتجاهلون حتى اللحظة هذا الفساد الأخير؟!.
وبناءً على وقائع ملموسة، لا يزال ما يسمى استغلال النفوذ ظاهرة منتشرة، يفعِّلها الفاسدون بسلوكياتهم المشينة كلما زاد الطلب على مادة أو خدمة ما، مستغلين علاقاتهم بأصحاب القرار للإيقاع بضحاياهم والحصول منهم على مبالغ مادية أو حتى معنوية، إلا أن تصنيف قانون العقوبات لهذه الأفعال ضمن أنواع الفساد، حدّ نوعاً ما من بروزها بشكل علني كما هي الرشوة الذائعة الصيت؟!.
ومن هذا المنطلق فإن الإسراع في إحداث هيئة لمكافحة الفساد والكسب غير المشروع وإحداث إدارة تسمى إدارة الرقابة والتفتيش، يخفف من الأموال المهدورة عبر قنوات “الرشوة” وغيرها..، رغم أن منظمة الشفافية الدولية في أحدث تقاريرها لعام 2014، أشارت صراحة إلى تقدّم سورية في عمليات الإفصاح والشفافية، بمعدل 7 نقاط مقارنة مع العام الماضي، وذلك وفقاً لمؤشر يعتمد على معايير اقتصادية معترف به دولياً، ودون أدنى شك هذه المنظمة ليست بريئة من توجّهات سياسية خارجية تُملى عليها.
نعود لنؤكد أن غياب التشريع الذي يجرّم الرشوة بالإضافة إلى انحراف قيم وأخلاق بعض الناس، يؤهّل لنمو الرشوة عمودياً وأفقياً بشكل أوسع وأخطر ويجعلها مقبولة، فتبيح الاعتداء على حقوق الآخرين، وتسهم في نشر الفساد المالي والإداري على حدّ سواء بشكل كبير وأوسع، فلابد من تشريع حازم وصارم بأقصى العقوبات لكل من يرشي ويرتشي؟!.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com