إحصائيات مبنية “ع تنجيم”
أدّى ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى تراجع متوسط استهلاك الأسرة من المواد الغذائية شهرياً بمقدار 69%، ويعدّ هذا المتوسط منخفضاً جداً إذا ما قارناه ببعض دول العالم، ودون أدنى شك، انعكس هذا التراجع وبشكل سلبي على نوعية وكمية الغذاء اللذين تحتاج إليهما الأسرة شهرياً، وبالنظر إلى معدّل التضخم فإن مؤشرها انخفض نتيجة قلة الطلب على السلع “الملتهبة” أسعارها، وليس بناءً على تصوّرات المكتب المركزي للإحصاء، الذي توقع استقراراً في الأسواق والأسعار وميولاً لها نحو الانخفاض خلال العام الجاري؟!.
ومن هذا المنطلق نتساءل: على أي مستند اتكأ المكتب حتى خرج بتلك المقدمة؟ بينما المقدّمات لدينا تشير إلى استمراره في العمل ضمن خطط وبيانات أيام الاستقرار، ونحن في أوقات تدير الحكومة فيها “اقتصاد حرب” باعتراف العدو قبل الصديق، أم إن استحالة توقع المستجدات وعدم أخذ الحالات الطارئة والمتغيرات المتسارعة وقلة الخبرة والكفاءة في علوم الإحصاء والتقصّي من جانب، واقتصاديات الأزمات من جانب آخر، دفعت “المركزي للإحصاء” إلى جلسات التخمين والتنجيم الاقتصادي!، لدرجة أنها تغيب دهراً وإن تلفظت تنطق خطأً؟!.
وإذا كان المكتب “الرسمي” المخوّل الإحصاء والاستبيان مغيّباً، وهو الوحيد الذي تستند الجهات الحكومية إلى مؤشراته ثم تبني قراراتها بناءً عليها؟ لنجد أنفسنا هنا أمام سؤال آخر يطرح نفسه، كيف يمكن للحكومة أن تدرك المستوى الذي وصل إليه حجم إنفاق الأسرة الشهري في نهاية العام الجاري، على سبيل المثال، لتدرك مدى كتلة السيولة التي يفترض أن تضخّها خلال الربع الأول من العام القادم الجديد، وما هو السبيل الأفضل لذلك، هل يتم عبر زيادة الأجور أو خفض أسعار السلع الأساسية أو رفع الدعم؟!.
وبعيداً عن الدقة والموضوعية، وهما الشرطان الضروريان للوصول إلى توقعات أقرب إلى الحقيقة، ثمة مقدّمات “بدهية” يمكن الاعتماد عليها في ظل الأزمة الحالية في سورية، تشير إلى مستوى تضخمي معين لدينا نحن كمختصين واقتصاديين، ومن خلالها يمكن تحديد ما سيكون عليه حال الاقتصاد خلال فترة زمنية معينة، من هذه المقدمات، ارتفاع معدل البطالة إلى 50%، وسعر الصرف إلى ما فوق 200 ل.س/دولار، وأسعار سلع سلة المستهلك، وانخفاض القوة الشرائية في السوق السورية، وهذه مؤشرات تبين مقدار التبدّل في الأسعار بين عام وآخر، وتساهم في تحديد نسبة التضخم بشكل أقرب إلى الواقع.
ومن الصعب في ظل الظروف الراهنة، تبرير صعوبات يسردها “المكتب” في كل مرة توجّه فيها ملاحظات له حول تباطئه أو تأخره في إتمام مهامه المنوطة به، ومن هذه المعوقات التي يذكرها القائمون على المكتب، الاتصالات التي دفعت الباحثين العاملين بالمركزي للإحصاء إلى العودة إلى الاستبيانات الرقمية، التي تأخذ وقتاً أطول في تجميع وتحليل البيانات وإصدارها، بدلاً من استخدام أجهزة كفية تسهّل عملية ملء الاستبيانات، ولكن انقطاع الاتصالات أجبر الباحثين على العودة إلى الاستبيانات الورقية؟، هي بالمحصلة مبررات باتت كالشماعة يغطي بها “المكتب” تقاعسه كما أشرنا آنفاً.
ودون أي تعقيد، أو انتظار بيانات (رسمية أو غير رسمية) يمكن التوصل إلى نتيجة مفادها أن تضاعف أسعار العديد من المواد الغذائية، ومشتقات النفط سيؤدي -بكل بساطة- إلى رفع نسبة التضخم في الربع الأول من العام المقبل، و”هيك وعلى راحتك ابدأ بإحصائياتك يامكتبنا العتيد”؟!.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com