اقتصادتتمات الاولى

فساد وحداتنا الإدارية شوّه مدننا وأطبق الخناق على بيئتنا… تزايــد وتيــرة مخالفــات البنــاء على حســاب المســاحات الخضــراء

من المعروف إدارياً وفنياً أن لكل منطقة توسّع عمراني مخططاً تنظيمياً يحدّد الشروط والمواصفات الخاصة بالمقاسم والمحاضر المراد تشييدها، وذلك لاعتبارات فنية تتعلق بطبيعة المنطقة التضريسية والمحافظة على البقع الخضراء فيها وإعطائها طابعاً جمالياً ولو بالحدود الدنيا، وبناءً عليه يحدّد لكل محضر عدد من الطوابق ومساحة بناء لا يجب تجاوزهما.
لكن ما يجسّد على أرض الواقع يعكس كثيراً من تجاوزات تجار البناء، فنجد -على سبيل المثال لا الحصر- التعدّي الواضح على المساحات الخضراء والوجائب الفاصلة بين الأبنية من خلال التلاعب بمساحات البروزات لكسب أكبر مساحة ممكنة، وزيادة في الطوابق العلوية لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، ما يؤدّي بالنهاية إلى تشويه المنظر العام للمنطقة وعدم تأمين التهوية المطلوبة للسكن، ليس هذا فحسب بل إن أصحاب هذه المحاضر يصالحون عليها في البلديات والوحدات الإدارية التابعة لها لقاء مبلغ من المال يدفع لها تحت بند تصحيح الأوصاف التي لا تُصحح إلا على الورق، دون أن يتم قمع معظم هذه المخالفات على أرض الواقع، ما يثير بالنهاية الشكوك حول رؤساء البلديات وتواطئهم مع التجار لتمرير التجاوزات ولو على حساب البيئة والجمالية العامة للمدينة وراحة السكان.
فساد مرعب
يلحظ المتتبع لحيثيات عمل معظم وحداتنا الإدارية وجود فساد مرعب فيها، وخاصة تلك المسؤولة عن أعمال التشييد والبناء، فمن خلال قراءتنا لتداعيات القوانين الصادرة بشأن ضبط مخالفات البناء ولاسيما تلك المنتهكة للمساحات الخضراء، يتبيّن لنا أنه في عام 2003 صدر القانون رقم /1/ الخاص بقمع المخالفات، وفي عام 2008 صدر القانون /59/ للغاية نفسها، وبين هذين العامين شيّدت مدن كاملة بشكل مخالف، ما يدل بشكل أو بآخر على استشراء الفساد في وحداتنا الإدارية، ناهيكم عن عشرات المخالفات التي ظهرت للعيان خلال الأشهر الأخيرة، ما أدّى إلى زيادة تشويه مدننا وبلداتنا، ونعتقد أن المواطن لا يتحمل المسؤولية في هذا المجال وإنما القائمون على تنظيم القطاع العقاري.
تنظيم تلقائي
تعتمد أوروبا بشكل خاص والدول المتقدمة بشكل عام، على مبدأ الشرائح الكفيل بالمحافظة على المساحات الخضراء عند إعطاء رخصة البناء لأي مستثمر، بمعنى أنه في حال رغب أحد المستثمرين العقاريين استثمار مساحة ما للبناء عليها -وليكن 1000م2- فإنه يعفى من الضريبة في حال قام ببناء 30% من تلك المساحة ولمدة عشر سنوات، ويعفى لمدة خمس سنوات إذا بنى 40% منها، لكنه لا يعفى من الضريبة في حال استثمر 50%، ويدفع الضرائب بشكل تصاعدي كلما ازدادت نسبة المساحة المستثمرة، وذلك بهدف المحافظة على المساحة الخضراء ضمن المنطقة المعدة للبناء، فنظام الضريبة التصاعدية ينظم البناء بشكل تلقائي.
شكوى
في المقابل برّر عدد من تجار البناء لـ”البعث” تعدّيهم على الوجائب لتحصيل أدنى قدر ممكن من الأرباح وليس أكبر قدر على حدّ قولهم، لأن أسعار الأراضي بالأصل مرتفعة جداً، والتزام التجار بالقواعد والشروط الفنية الرسمية يحدّ من أرباحهم بشكل كبير وأحياناً لا يحققون أي أرباح، وهذا ما يضطر معظم التجار إلى عدم ترك مساحات شاسعة بين الأبنية، داعين الحكومة إلى تأمين أراضٍ للبناء من خلال التوسع بالمخططات التنظيمية وخاصة في الأرياف، عسى أن يؤدّي ذلك إلى تخفيض الأسعار التي وصلت في بعض مناطق ريف دمشق إلى أكثر من 1.5 مليون ليرة للقصبة الواحدة.
دمشق – حسن النابلسي