قراءة في ديوان: /نفسي الأمَّارةُ بِكَ/ (مواويل وجع أخضر) للشاعرة ماجدة حسن
من كثرة تكرار لفظة “البحر” ومشتقّاتهِ، غَرِقَ القارئُ، والشعرُ والشاعرة، واجتاح العالمُ ابداعٌ، وخَلْقٌ و/ عيناكِ لا أدري هما ولهي الضّرير أنا الغريقَ فتيهما شُطآني؟!
في حديثٍ غامضٍ بين ماءينا / قّفّزَ حرفٌ من دمعكَ إلى النّهر / ص 9
و/ كم ومضةِ حزنٍ ترتجلنا، حتى تُمطِر في دمِنا القصيدة؟ / ص 10
و/ كل براعمِ الماء مؤجّلةٌ، حتى قيامةِ عطركَ من أنفاس القصيدة / ص 16
و/ عندما لا يتوضّأُ بعينكَ الفجر، ينسى نهاري أن يقرأ الفاتحة! / ص 26
هي الأنوثة، تغطي كامل الذكورةِ، بالنّداء، وحالات هاجسيةٌ، واعتناقٌ شهويٌّ، في حالاتهِ “الايروتيكيّة” المشفوعةِ قصْداً في مطلّاتِ، واختناقات الشُّرفاتِ المجروحة في غياب الحضورِ؟!
إنّه الآخر التي تمتطيه “الفحولة”، وتلكز خواصِرهُ، شهقات آخرة الليالي المبتلاةِ بعمى نجومها، وتوقيفِ قمرها، حتى تُثبتَ الإدانة، ويُحكمُ بالنّفي المؤقّتِ، لكن مُطفأ العينين؟!
/ تلك النجمةُ تسرُق مشْط الليل، كي تُسرّحَ غُرّةَ القمر/ ص 30
و/ عندما تفقد الأزمنةُ إحساس الأنسنة، تُمارس الأمكنةُ عادتها السّريّة / ص 35
نُضوجٌ، وارتقاءٌ بالشهوةِ، واللّهاثُ رهينُ الوهْلةِ الحاسمة، وتروحُ تغوصُ بالحِكمِ، وضرْبِ الأمثالِ، وانتهاكِ الأقوال المأثورة تقول في أبعاضها: /في شرشفٍ بين الفحولةِ والوهم، رجلٌ يبحث عن نفسه / في غطاء بين الأنوثةِ والحقيقة، امرأةٌ تبحث عن رجل/ ص 36
/ لو لم تكن ذئباً، أكلتك النِّعالْ!/ ص 36
والشّرحُ يقتُل بهاء الإبداع في القصيدة الذاهبةِ بجدائلها إلى الينابيع الناطرة على السفح الملوّع بالضّباب وقد قيل: “الشّرحُ يقتل عقرب الإبداع، ويُميتُ صهيل التّألُّق فيه” تقول: /عندما أفرُك أمواجُك، تنفُر جُزُرُ لوجع بين أصابعي/ ص 41 و / السجادة الثّمينةُ لا تصلحُ لِلفِّ جُثمان/ ص 42
وتوغلُ في غاباتِ “خمبابا” حارس الأرزِ، وتُلقِمُ اللّيل بعض صيدها من عنعنات مواقفها، قائلةً/ في الموتِ سرٌّ، آخِرُ مطافهِ مُتعبٌ، وأوّلُ مطافِهِ مُربكٌ، وواسِطُ عِطافه مُقمرٌ/ ص43
يخجلُ التاريخ “أحياناً” مِن حبرهِ، ومن ضَادهِ، وأبجديتهِ، وها أنذا “عربي” وأخجلُ، وأقول، أني صائمٌ، إني واهمٌ، إني لا أعرفُ إلّا “إنّي”؟!
/ جيلٌ من التاريخ العربي، لم يلحق التَّصرُّفَ، فتطَرّفْ/ ص 44
من ولّدَ هذه المقولة، وأعطاها منّةً لأمراءِ الرمل/ النفطِ، ولمْ ترعوي بعدُ “رعويَّةُ” الذين طمروا في رمال “الطُّهرِ” جهالتهم، فكان آخر فتواهم “زواج النكاح” والجهادُ في سبيل ما أنتجتْهُ، وَوَلّدتْهُ قرائح “المشايخ” بِذبح العربي لأخيه العربي و.. و؟!
وهكذا تتمهلُ الشاعرة ماجدة حسن في مِشيتها، في حدائق ومضاتها الشعريّة، وهي تختنق في لحظة الموت دونما نداء! وعند مضائق الفجر، مأمأ الضّوء، وتاهت الشمس في دوخانها اليوميّ، تقولُ شاعرتنا مُتنهدة، مُجتهدةً في لملمة سبايا القصيدة: / ليس عبثاً ما نُكابده، نحن أمّةٌ، قدّمتْ بكارة ابنتها، على طبقٍ من وَرْدٍ، لِقاتلِ أُمِّها؟! / ص 46
ألا تتعظ يا تاريخُ وتدري، وتُعيدُ الحبر/ الصّدق إلى بياضكَ قائلا: نحن أمَّةٌ سوريّةٌ، الشام أمّنا، والهلال الخصيب مدانا، الإنسانيّ، والفِكر نبعُ اخضرارِ وجُودنا؟!
تقول الشاعرة حسن: / مازال العربُ يحارون، من أيَّ جهةٍ سيأكلون الكتف، التي استندتْ عليها رؤوسهم يوماً/ ص 49
و/عندما تمطّى الحبُّ، فرَّ ألف طيرٍ، وعندما طوى ذراعيه، عاد بحبَّةِ قمحٍ واحدة/ ص52
/ سأكحِّلُ بالصّباحِ عينيك، كي أقرأ ماخفيَ مِن ليلِ قلبي/ ص 61
وللشهيد والشّهادة وقفةٌ خجولةٌ حين تقول: / دمعة الشهيد قطرةٌ من دمِ الملائك، دمُ الشهيد قطرة من دمع الله / ص 71
ولم تبخل في ديوانها “نفسي الأمّارة بكَ” عن المرأة العربية العاشقة، والتي نعتتها بأتعس مخلوقات الله قالت: / إنْ تكلّمت بحديث قلبها، خسرتْ ماء وجهها، وإن باحت بخواطر عقلها خَسِرتْ حبيبها، وإن بقيت صامتةً خسرت روحها/ ص 95
و/ على عربةٍ تجرُّها الذِّئابُ، كنتُ أودّعُ آخر الحقول/ ص 96
و/ لو أنَّ لِدمعي هودجَ ضوءٍ، لسَكنْتُ عينيكَ أبَدَ القهر/ ص 96
ومن رَفَّةِ عينيّ، حيث هدَّني طول القُعود على الكرسي ألاحِقُ “حَطّابة الومضات الشعريّةِ” وتكدُسهنَّ على طريقي! وكقارئٍ نهمٍ، شعرت بالبردِ وقت احتلَّ كامل ظهري، وراح الصّقيعُ يتلمّس بحقدٍ، ولؤمٍ أصابع قدميَّ، فنهرتُ قلمي ألا عجِّلْ هاهو ديك الصَّباح يعلِنُ بّدْءَ النهار، وقلت لِحالي هيّا إلى غفوةٍ حائرة؟!
وأخيراً بعد هذه المكابدات والمعاناة، اُلقيَ القبض عليها متورطة بجريمة ارتكاب/ كتابة الشعر/ واقتراف الذنب المشهود بفلسفة الصراع الأبدي ما بين الخير والشر قائلةً:
/ يسير النور حافي القدمين/بينما أشواك عتمتنا تتكاثر أمام خطواته/ ص 102
و/ في غمرة الورد / بين صباح مبلل وليل بلا أجنحة، وقفت يمامة ترتشف عطرك/ ص102
وَمن وكلكِ قاضيةً، وفيلسوفةً، وعالمةً، وووو، وأنت الشاعرة المرجومة بالعرف الداعشي؟!
“نفسي الأمَّارة بكَ” مجموعة شعرية تأليف ماجدة حسن- الغلاف للفنان رائد خليل- دار بعل 2014
خضر عكاري
khudaralakari@hotmail.com