رواية البيانو: توصيف إنساني فني لشخصيات هذه الآلة
تعود رواية البيانو إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لـ ديترهيلد برانت، نقلته عن الألمانية إلى الفرنسية بريجيت هيبير، منشورات دار أكث سود.أرل.
يبدو أن البيانو يتمتع بهيبة خاصة مقارنة مع سائر الآلات الموسيقية إذ سواء أكان طويلا أم قائم، فإنه يشع بجلال “طبيعي” يغلّف التضحيات المضنية التي يفرضها تعلمه. هكذا يروي الألماني ديتر هيلدبرانت، المولع بالموسيقى والعلّاّمة في هذا المجال، الشاردة والواردة عن قصة البيانو عبر العالم، القصة المبذورة بالمكائد.
ففي كتاب يلامس حدود الدراسة والرواية، يسعى إلى قص حكاية أداة “البيانو” التي حافظت رغم كل شيء على نبلها. وقد تكون كلمة “أداة” خياراً سيئاً، فربّما كان يجب أن نتكلم عن”كائن”. ذلك أن البيانو هو هنا جسد وروح. هو ليس حديداً وخشباً فحسب، بل إنه صوت أيضاً، يتألم، يصرخ ويهمس ويغني. يتوافر لكل مريد: “الكل يعزف على البيانو، والكل يتعلمه”.وليس في نظرة هيلدبرانت إلى هذه الآلة الموسيقية ضعف الشغف، بل قوة الحب، فقلم المؤلف الواثق يتغذى من معرفة وثيقة بعلم الموسيقى، إذ نكتشف معه دورات مباريات البيانو في القرن التاسع عشر. وتوريث نوعية الدراسة إلى الأجيال. ومنشأ الدوّاسة “روح البيانو”، وبُعد الهروب البوفاري (نسبة إلى بطلة غوستاف فلوبير) في هذه الآلة.
في نهاية القرن التاسع عشر، ساد اعتقاد بأن البيانو مات، وعندها حلّ سوء التقدير والاهمال والتدمير محل التعبّد. ثم أزف زمن الطليعيين المتمثلين بـ: سكوت جوبلين (عبقري الموسيقى الرخيمة) أو جون كايح، وبعده زمن موسيقى الجاز، التي فتحت المجال لإعادة النظر في إيقاعيّة البيانو وإمكاناته الصوتية. وإذ اليابان تستولي عليه في حالة من “جنون اللعب” في منتصف القرن الماضي، وتبرز مصنعا جديدا للبيانو.
قررّ الكاتب في معرض عرضه تاريخ الموسيقى في القرن التاسع عشر، أن يتوقف عند الشخصيات الرئيسة في عالم البيانو، وبتوثيق متين وقدر كبير من متعة الخطاب، يقدّم وصفاً إنسانياً وفنياً لعدد منهم: بيتهوفن ، الرجل الصغير المتقلب الذي “يدغدغ الأعصاب”، وشوبان “الكائن النحيف الرقيق الإحساس ذو اليدين المؤثرتين”. وشومان، الناقد الرؤيوي الذي تمتد “مملكته ما بين حدود الرعد القصوى والخصوصية الأكثر حميمية”، وأيضاً فرانز ليزست، “علامة التعجب تلك الغاطسة في السواد، وتلك القامة الطويلة الناحلة الضيّقة الكتفين”. ثم الحديثين منهم بوليز وبوسوني، “هذا الذي وصل بالبيانو إلى كماله” وكيث جاريت. تأتي عمليات الوصف حيّة، مفخمّة ومفّصلة. إضافة إلى كونها تعلق بالأذهان لدرجة أنها صيغت بالمضارع كما لو أن المراد قوله هو ضرورة بقاء هؤلاء الأشباح أحياء، بقية باقية من إرث ثمين.
يبدو أن كل شيء قد قيل في هذا الكتاب الذي ترجم إلى عشرات اللغات، وحيث تغري الكلمات بتناغمها القارئ المخطوف بهذه المغامرة الموسيقية، والإنسانية على الأخص.
ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد