عقاراتنا الفارهة خارج حسابات السوق وتقلباتها.. وأصحابها يتحملون مسؤولية غير مباشرة عن أسعارها الخيالية
عقاريون: مالكوها غير مضطرين لبيعها ومن يبيع فهدفه غالباً إنشاء مشروع استثماري لتأمين سيولة كبيرة
يبدو أن العقارات الفارهة بمنأى عمّا آلت إليه السوق العقارية وما أصابها من اهتزازات، سواء خلال فترة الأزمة، أم قبلها، ما يؤكد أنها خارج إطار تجاذبات السوق العامة، وأنها تخضع لبورصة مخملية خاصة بكبار المستثمرين، ممن يعتبرون امتلاك المنزل الفخم ضرباً من البريستيج الاجتماعي، ومؤشراً يدلّ على مدى الملاءة المالية لدى مالكه، وليس حاجة ضرورية وملحة حسب ما هو متعارف عليه لدى بقية الفئات، وبالتالي لا يدخل في معادلة العرض والطلب في معظم الأحيان، لأن ملاك هذا النوع من العقارات لا يشترونها بغية المتاجرة بها وارتفاع أسعارها لاحقاً، وإنما بهدف (المباهاة) بها اجتماعياً في حفلاتهم وولائمهم الخاصة!.
لا تهاون
ويوضح أحد أصحاب المكاتب في منطقة المزة لـ”البعث” أن عرض العقارات الفارهة (شقق سكنية– مزارع– فلل) أكبر من الطلب، ورغم ذلك لا يصرّ معظم أصحابها على بيعها أو يتهاونون في سعرها، لعدم اضطرارهم للبيع وامتلاكهم السيولة المناسبة لتسيير أعمالهم، وفي حال حاجتهم الماسة للسيولة يتوجهون لتسييل جزء مما يمتلكونه في البورصات العالمية، مضيفاً: من يبع عقاراً من هذا النوع غالباً ما يكون هدفه إنشاء مشروع استثماري يحتاج إلى سيولة كبيرة.
مهجورة
ربما لا يخفى على المتجوّل في أحياء المزة أتوستراد والمالكي -على سبيل المثال لا الحصر- خلو نسبة كبيرة من مساكنها، لدرجة أنه ينتاب البعض شعور بأنها مهجورة، وهنا يوضح صاحب مكتب عقاري آخر أن أصحابها إما أنهم مغتربون خارج القطر ولا يرتادونها إلا في بعض المواسم والأعياد الخاصة، أو أنهم يقطنون في مزارعهم المنتشرة بضواحي العاصمة وأطرافها، وتَنَدّرَ صاحب المكتب بأسلوب لا يخلو من الجدية قائلاً: (بعضهم لا يعرف ما يملك من شقق سكنية)، فكثير منها مسجل بأسماء أولادهم وزوجاتهم وذوي القربى لاعتبارات تتعلق بالضريبة وما شابه.
وحول تأثير الأزمة على هذه العقارات بيّن صاحب المكتب أنه محدود جداً نظراً لامتلاك معظم مالكيها أصولاً عقارية في بلاد الاغتراب تغنيهم عن بيع ما يمتلكونه محلياً، وإلى جانب أنها موجودة في المناطق الآمنة، فلا يستطيع أي طالب للسكن –حتى مجرد التفكير- بشرائها نظراً لأسعارها الفلكية، فهي مخصصة فقط لأعضاء نادي الأثرياء إن صح التعبير!.
استجمام دائم
في سياق متصل يؤكد تاجر عقارات في ريف دمشق أن فلل يعفور والصبورة ترتقي إلى مستويات عالية من الفخامة والإبداع العمراني، بحيث تلبي رغبة الشريحة المخملية لقاطنيها، لدرجة أنها تغنيهم عن الإقامة في فندق خمس نجوم، فقاطنوها يشعرون أنهم في رحلة استجمام دائمة، كونها مجهزة بجميع مستلزمات وأغراض الراحة والرفاهية، ومع ذلك نجد أن لمعظم ملاكها شققاً فاخرة في أحياء راقية كأبي رمانة وكفرسوسة، وربما امتدت حيازاتهم السكنية إلى ما وراء البحار، فكثيراً ما نسمع عن تملك رجال أعمال سوريين لفلل وشاليهات في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من دول العالم.
تساؤل
مؤكد أننا لا ننظر إليهم بعين الحسد -على الأقل عملاً بالمثل الشعبي المعروف (لكل مجتهد نصيب)- ولكن ألا يحق لنا التساؤل هنا عن الكتل النقدية المجمّدة في هذه القطاع دون تحقيق قيم مضافة يمكن الحصول عليها فيما لو وظِّفت في قطاعات إنتاجية ولاسيما إذا ما علمنا أن سعر الفيلا يصل إلى مئات الملايين؟ أو لو تم استثمارها في القطاع نفيه لبناء ضواحٍ سكنية من شأنها المساهمة في حل مشكلة السكن؟!.
مسؤولية غير مباشرة
ربما لا نبالغ إن حملّنا أصحاب هذه العقارات الفاخرة مسؤولية تطرف سوقنا العقارية ولو بشكل غير مباشر، نظراً لتكريسهم –ولو بغير قصد- قاعدة (العقار هو الملاذ الآمن للحفاظ على السيولة) على اعتبار أن قسماً منهم يوظف جزءاً من أمواله في هذا المجال تخوفاً من أزمات محتملة ولو بعد حين، والقسم الآخر يحوِّل إيرادات أعماله إلى أصول عقارية فاخرة، بدلاً من توسيع استثماراته، ليصل الحال ببعض رجال أعمالنا إلى التركيز على المضاربة بالعقار على حساب الاستثمار في القطاعات الأخرى الخدمية منها والإنتاجية، ليس هذا وحسب بل إن كثيراً ممن يملكون محاضر أو أجزاء منها يبقونها على أمل ارتفاع الأسعار أكثر وأكثر، وتكون المحصلة الإخلال بمشهد قطاع أعمالنا، الذي يفضّل رواده الظهور وبكامل بريستيجهم الاقتصادي والاجتماعي وكأنهم صنّاع اقتصادنا الوطني، في حين استثماراتهم الحقيقية تملأ الدنيا تحت مسميات أجنبية برّاقة!!.
دمشق– حسن النابلسي