اقتصاد

تعيينات العمال في الجهات العامة.. بين حاجتها واحتياج العاملين

من الطريف أن إحدى الإدارات العليا المركزية طالبت –قبل أسابيع- إداراتها الفرعية موافاتها بعدد ومواصفات العمالة الزائدة لديها، والجميع يدرك أن الإدارات الأعلى هي صاحبة القرار في تراكم العمالة الزائدة التي عيَّنتها في إداراتها الفرعية (أكان من خريجي الجهات التعليمية الملتزمة، أو من تم تعيينهم تحت اسم العمل المؤقت)، وغالباً دون استشارتها، أكان ذلك إملاء شفهياً أم خطياً بغض النظر عن الملاك أو الحاجة الفعلية، أو انطباق تخصُّصهم مع أعمال الجهة المعيّنين فيها ليصبحوا عمالاً دائمين!.
مازال هذا التعيين والتثبيت قائماً ومستمراً رغم الشَّكوى القديمة المتجدِّدة من البطالة المقنعة، وأثناء وعقب ما تطلبه الإدارات الأعلى من إداراتها الفرعية، فإن الأولى على علم تام بأن هذه العمالة فائضة عن الحاجة الفعلية منذ تعيينها، وتتقاضى رواتبها دون إنتاج يقابل ذلك، وتقع الطامة الكبرى على إدارات الفروع في حال حافظت على هذه الزيادة أو فصلتها، أو أقرَّت أو أعلنت عدم حاجتها، وستتحمل منعكسات وملحقات ذلك إدارياً واجتماعياً.
ما حصل مؤخراً مع مدير النقل البحري عبرة لمن يعتبر، إذ أنه جدَّد عقود /57/ عاملاً لسنوات طويلة لأسباب قدَّرها هو، ولكن ملاحظات إدارته العليا رأت في ذلك مخالفة، فعمل على فصلهم استجابة لهذه الملاحظات، ولكن الإدارة العليا فصلته عقاباً على مخالفته في تمديد عقودهم، ومن ثم جدَّدت عقود هؤلاء العاملين .
لا جدال أن من حق المواطن أن يجد فرصة عمل له في وطنه، وعلى الجهات المعنية تحمّل مسؤولياتها، ولكن ألا يحق التساؤل وباستغراب: لماذا يتم استمرار التعيين على غرار ما كان عليه دون أن يترافق ذلك باستثمار طاقات العاملين الموجودين بما يحقّق إنتاجاً يعادل حجم رواتبهم رغم شعارات الإصلاح والتطوير والتحديث ومكافحة الفساد المطروحة بكل شفافية منذ سنوات؟ وكيف يغيب عن بال الإدارات والعاملين بأن حق التعيين المرغوب والمطلوب يتطلَّب واجب أداء عمل يحقِّق إنتاج ما يغطِّي رواتب المعينين؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّه من حقِّ العامل أن تكلِّفه إدارته بعمل منتج يليق بمؤهلاته، ومن واجبه أداء هذا العمل بما يغطي راتبه، وليس من حقها معاقبته أو فصله، ما لم يرتكب جرماً أو يمتنع جزئياً أو كلياً عن أداء عمله.
ما سبق يستوجب أن تكون التنمية الإدارية معنية أولاً في تشغيل العمالة الموجودة، والعمل على أن تكون فرصة العمل الجديدة معيَّنة على فرصة إنتاج قائمة تتطلب عاملاً ينتج ما يقابل راتبه كحد أدنى، أي لا يتم تعيين عامل جديد ما لم يكن حجم إنتاجه يغطي مبلغ راتبه، ويكفي ما تم من تبذير للمال العام وتضييع لطاقات العاملين، والإدارات المركزية والفرعية، والعاملون معنيون بذلك معاً.
من المؤكد أن الحاجة ماسة لتقييم الحاجة الفعلية للعاملين ضمن كل إدارة، وإعادة توزيع العمالة القديمة والجديدة حسب الحاجة، وبما يحقق إنتاجية تغطي الرواتب، ولكن هذا الإجراء يستوجب عدم أحقية الإدارات العليا طلب تبيان فائض عمالها من الإدارات الفرعية، إلا عبر لجان تحقَيق تكون الإدارة العليا هي صاحبة التمثيل الأكبر والمسؤول فيها، طالما أنها هي الأدرى (ادعاءً أو حقيقة) بقانونية العمالة الزائدة ومدى الحاجة لها.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية