ثم يزهر الألم…
أحمد علي هلال
مع أولى خيوط العام الجديد، لقلبكِ –سورية- أن ينبض في الصباحات الأولى، إيقاعاً يأتلف فيه العشق بياناً يجهر بكل مفرداته، أن يرفع للشمس مأذنة وللحلم ناصية جديدة، كم عبر شهود شهداء في نهارات لم تطو بل ظلت كما ضوع عطر ينتشر ليؤسس لما يأتي مجداً للكلام/ المرايا، مرايا النار واتقاد الياسمين لتظّل صباحاته كلها الوقت وعلى شرفاته الواسعة ناي الكلام يجدد صحو الخارطة، صحو المفردات لئن تكتب تلك سيرتها المتجددة للقلب حينما يطل من علٍ على ما يريد وهو من أطل حقاً على ما أراد، ليجترح للسوري حضوراً بمقام، هو ذاته مقام الروح، في معراجها إلى ما يجدد حضورها ونبضها في التراب تحت سماوات اليقين.
هي إذن كثافة الألم الحاضرة دوماً على امتداد اليوميات لكنها كثافة الروح التي ما فتئت تكتب أسطورتها الخالصة، بل تبعث أساطيرها الجديدة في صحو عام للشمس فيه كل الكلمات التي كُتبت والتي تُكتب من جديد، والتي تصوغ -وقدرها أن تصوغ الممكن والبهي من الحلم- حينما يتسارع صهيله بين الضفاف لينجز وعداً بالجمال، ووعده بالجمال هنا هو أمثولة تجترح في كل وقت سيرتها لتظل مضرجة بالأمنيات وبالحلم ذاته المشرع على الجهات نهاراً سورياً عالي الصحو، ممشوق المفردات نضر الروح مموسق الإيقاع. كيف لا وهو الأمل الذي اشتق من جذوة الحكاية اليومية/ المستقبلية، إذ لم يعد المستحيل مستحيلاً فحسب فقد جعله السوري مألوفاً ليذهب المستحيل إلى مستحيله هو وهكذا فمن يصنعون تلك اليوميات سياج الوطن وعينه المفتوحة دوماً صوب الجسد، هم الآن زنبق الوقت من جعلوا للحلم وقائع تُروى ولا مسافة بين أصابعهم وزناد البنادق، هي مسافة للعشق السوري فحسب، الحارس لمنامات الياسمين، وكيف تأتي منمنمات العشق في حضرة من يشد هممهم ويتنزّل كما حلم شهي في لحظاتهم السريعة، ليظلوا خط الدفاع عن الوطن وقلبه الذي ينبض بالسلام وبأن الفجر قادم لا محالة، هي دقائق العام الجديد لكنها القدر الذي تأتي بمشيئته همم الرجال الذين طوعوا الريح، «وبمشيئة الملاح تجري الريح/ والتيار يغلبه السفين».
هي ثقافة الحياة إذن بل جدارتها فيما يستحق الذاهبون إلى مجد يومياتهم الأخرى-الذاهبون صحواً إليها واختياراً جسوراً إلى ما يعادلها، في يقظة الأساطير الحارسة التي تروي ما تعيشه لتصنع منه ذلك العبور إلى الغد بثقة الجبال وتدفق البحار، سورية هي قصيدة عشق كثيفة تورق في سفر الألم وتدلف إلى الجديد من الأيام ليُمتحن الذهب حتى تأتي سبائك القول مترعة الشغف والفرح، نكتب الآن خلاصتنا المتجددة لنعلن الألم قيامة، الأمل عاد، اختيار لنأتي حقاً من مستقبلنا ويأتي مستقبلنا إلى ما تشاءه الأقدار، ألسنا شهود الخارطة، أليست كل أفعال الحياة تتكثف في ضحكة نهار جديد، يقولون شكراً لأنك كنت جزءاً من العام الجديد، ولا يشكر القلب إلا من يصنعه قوة مثال، لفرح السوري وهو من يخيط للأبجدية قميص شغف، من حقه أن يستريح على سرير المعنى، ومن حق الماء أن يقبّل ثغور العطشى، وأن يلتفت الياسمين إلى قلوب أبنائه متوسلاً حنو الأصابع التي لا ترتعش وهي تكتب في الآفاق آية لا تتكرر، كوعد هي النصر ولا شيء أقل.
.. إني رأيته هناك آية مكتوبة في الآفاق، إني رأيته في صور الرجال الذين وقفوا على حدود العشق وتخومه القصيّة، رجعَ آلامنا، وصحو قلوبنا للمنتظرْ، والقلب حافٍ على بللّور الشغف، والقلب إذ يرى: مجداً يسير النهار إليه في رابعة حلم طليق..