التبعية الإعلامية والغزو الثقافي
أحدث التدفق الإعلامي الغربي الهائل فجوة إعلامية كبيرة بين الدول الغربية والدول النامية عامة وخاصة الدول العربية، وبالتأكيد فإن هذا الأمر يكرّس حالة من التبعية الإعلامية العربية للغرب، وقد برزت مثل هذه التبعية في مجال الصحافة والراديو والتلفاز.
ومن التحديات التي يواجهها الإعلام العربي، الدعاية الغربية، والدعاية في أبسط تعريفاتها هي: “استخدام أي وسيلة من وسائل الإعلام العامة أو الشعبية بقصد التأثير في عقول أفراد جماعة معينة أو في عواطفهم، من أجل تحقيق غرض عام معين، سواء كان هذا الغرض عسكرياً، أو اقتصادياً، أو سياسياً، وذلك في إطار خطة موضوعة ومنظمة”.
وأغلب الدعاية الغربية التي تتسرب إلى إعلامنا العربي هي من قبيل الدعاية السوداء التي تتخفى وتتنكر ولا تعلن عن مصدرها الحقيقي، وتعمد إلى الكذب والتلفيق وافتعال الأحداث، وبهذا تعد أسوأ أنواع الدعايات ، وبعضها ينتمي إلى الدعاية الرمادية التي لا يعُرف المصدر المسؤول عنها، وتلجأ إلى تفسير الأحداث باللون الذي يناسبها ويخدم أغراضها وأياً كان الأمر فإن الدعاية عامة تعبير ذاتي وليس موضوعي، حيث تتأثر بشخصية الداعية الذي يقوم بإعدادها، ومن ثم فهي لا تقدم الحقائق كاملة، بل تعمد غالباً إلى ذكر أكاذيب وشائعات ومعلومات مضللّة غير صحيحة. وحتى تكون الدعاية ناجحة، فإنها يجب أن تُخفى وتمُوّه، وأن تكون مرنة قادرة على ملاحقة التطورات، كما يجب أن تخاطب العاطفة وتراعي العامل النفسي، مع استخدام عنصر الابتكار والتجديد الدائم. مستخدمة كافة الإغراءات المادية والنفسية المتاحة لخلق حالة من التشتت الذهني والغموض الفكري للأشخاص، بغية تسهيل عملية الاقتناع بالمعتقدات والأفكار ووجهات النظر المطروحة. ومن الملاحظ أن كل الشروط السابقة متوافرة في الدعاية الغربية التي تتفنن في طرح موضوعاتها و أفكارها. وكل يوم، تطالعنا وسائل الإعلام بالجديد، مستغلة التقنيات الإعلامية الغربية الهائلة، فهي تروّج دائماً لبعض الأفكار الغربية التي تصطدم مع التقاليد والأعراف العربية مثل: تعاطي المخدرات وتخلّف العقلية العربية وجمودها وغيرها. ومن ثم فلا بد أن تسّلم قيادها للعقلية الغربية المتحضرة. إن مثل هذه الدعايات هي من قبيل الدعايات الهجومية التي تستلزم من الإعلام العربي القيام بدعايات دفاعية مضادة، بغية تفنيد هذه الدعايات الغربية وتوضّح زيفها للشعب العربي من أجل الحفاظ على أفكاره من التشتت والتشويش وهذا يتطلب جهوداً جبّارة ويقظة دائمة من الإعلام العربي.
إن الإعلام الغربي وفي سبيل أن تنجح دعاياته فإنه يعمد إلى ما يسمى بغسل الدماغ. وهو “العملية التي يقصد بها تحويل الفرد عن اتجاهاته وقيمه وأنماطه السلوكية، وتبنيّه لقيم أخرى جديدة تُفرض عليه، إما عن طريق الإيحاء، أو التكرار، أو التحقير والتسفيه من الاتجاهات والقيم السائدة. أو التشكيك في صحتها ومدى ملاءمتها لتطورات العصر. وقد تُستخدم الدعاية في هذه العملية، فالعلاقة بين الدعاية وغسل الدماغ علاقة مزدوجة ومتبادلة.
وكما هو معروف، فقد لجأت الصهيونية العالمية – وما تزال – إلى عملية غسل دماغ جماعي في العالم. مستخدمة فن الدعاية بجميع أشكاله ومستوياته للقيام بأكبر وأوسع عملية تضليل وتزوير. لقد نجحت هذه العملية في فترة من الفترات، وتمثّل ذلك في الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث كادت تختفي في الصحافة العربية والإعلام العربي بصورة إجمالية مصطلحات مثل “العدو الإسرائيلي، أو “الكيان الصهيوني” وأصبحت تُستخدم كلمة “دولة إسرائيل” بالإضافة إلى تجنب الإشارة إلى الجرائم والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعوب العربية. وأخذت تتردد مصطلحات مثل: الإرهاب، الأصولية، وجيران “إسرائيل”، والشرق الأوسط، والسوق الشرق أوسطية، ولعلّه بات واضحاً للعيان أن بعض البرامج الإعلامية في العالم العربي تعكس نجاح عملية غسل الدماغ هذه، حتى أصبحت هي نفسها تروّج للأفكار الغربية مثل ما عرضته إحدى القنوات الفضائية العربية من وقائع حفل ملكات جمال العالم وظهور المتسابقات وهن يرتدين ثياب البحر. وكيف يكون تقييمهم نسب الجمال ومقاييسه بصورة تتنافى مع التقاليد العربية. وبرنامج آخر يحث الشباب على الزواج على الطريقة الغربية والابتعاد عن الطريقة التقليدية القديمة. وبرنامج تعليمي ثالث عن كيفية الرقص الشرقي ودروس تقوية في (هز الخصر). وفي ضوء ذلك تبرز أهمية التصدي لمحاولات التشويه والتزييف الإعلامي الغربي للأحداث والقضايا العربية.
إبراهيم أحمد