قطاعنا الزراعي لا يزال غير مفعّل للمساهمة في الحد من البطالة
رغم أن الاقتصاد السوري متعدّد الأطياف (زراعي– صناعي– خدمي) إلا أن اللون الزراعي هو الطاغي على بقية الألوان، ما حدا ببعض المراقبين للدعوة إلى ضرورة التوجه نحو القطاع الزراعي وتفعيله لاستيعاب البطالة، وتوفير فرص عمل كونه الأكثر رحابة من باقي القطاعات والأقدر على تأمين آلاف الفرص، وذلك عبر إعادة هيكلته ومأسسته في كلا القطاعين العام والخاص تفادياً للوقوع في فخ البطالة المقنعة ولاسيما في القطاع العام، ويعتبر بعض المراقبين أن القطاع الزراعي هو المنقذ الأكبر للحكومة لامتصاص البطالة ولاسيما أنه لا يحتاج في معظم مفاصله إلى خبرات ومهارات خاصة، لذلك على الدولة بذل أقصى ما يمكنها للاستفادة منه لزج من لا عمل له في قطاع يشكل أهم أركان الاقتصاد الوطني وصمام أمان للأمن الغذائي المحلي.
مأسسة
الدكتور زكوان قريط (كلية الاقتصاد– جامعة دمشق) اعتبر أنه من الصعوبة مأسسة القطاع الزراعي كونه بالدرجة الأولى عملاً فردياً، لكن يمكن مأسسته عن طريق المزارع التابعة للدولة بحيث تقوم الدولة بتعيين أرض في كل منطقة وتحولها إلى شركات زراعية صغيرة، وتقوم بهيكلتها إدارياً وفنياً، وتجهزها بكافة المستلزمات والآلات الزراعية، بالتعاون ما بين وزارة الزراعة وغرف الزراعة واتحاد الفلاحين، وبذلك يمكن توظيف عدد كبير من الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً ويعملون لدى القطاع الخاص بشكل متقطع وغير مستمر، لكن شريطة اقتران الأجر بالإنتاجية تفادياً للوقوع في مطب البطالة المقنعة.
وأضاف قريط: إنه بالنسبة لمن يمتلك أرضاً لا يمكن أن يؤسّس شركة زراعية ذات هيكل تنظيمي وإداري بالمعنى المعروف، وهؤلاء لابد من دعمهم وتشجيعهم حتى لا يهجروا أراضيهم، عبر تخفيض أسعار حوامل الطاقة، وتقديم البذور والأسمدة والمبيدات بأسعار منافسة، إلى جانب تقديم الاستشارات الزراعية اللازمة، مع ضرورة تطوير البنية التحتية في كافة المناطق والقرى الريفية، مبيناً أن من شأن ذلك تفعيل القطاع الزراعي وترسيخ الفلاحين بأرضهم، وبالتالي استقطاب العمالة المطلوبة وتشغيلها، إضافة إلى الحدّ من الهجرة من الريف إلى المدينة إن لم نقل إيقافها.
لا رقم محدداً
لم نستطع الحصول على رقم محدد حول عدد العاملين في القطاع الزراعي، إلا أن بعض مصادر الوزارة أكدت أنه القطاع الأكثر استيعاباً للأيدي العاملة من القطاعات الأخرى الخدمية والصناعية، ولم تخفِ مصادرنا وجود نسبة من العمالة التي بدأت تهجر الزراعة خلال الفترة الأخيرة للعمل في المدن بسبب تناقص أرباح الإنتاج الزراعي وإيراداته نتيجة الظروف المناخية بالدرجة الأولى.
رهن
“الجبن”.. صفة طالما التصقت برأس المال الذي دائماً يبحث عن الملاذ الآمن، بهدف تحقيق ربح بأقل فترة ممكنة من الزمن، ولعلّ هذا أحد أهم أسباب إحجام المستثمرين عن التوجّه الكبير نحو القطاع الزراعي المرهون في أغلب الأحيان بالظروف المناخية والبيئية من جهة، وطول مدة استرداد رأس المال من جهة أخرى، ما يجعل مهمّة الحكومة بتوجيه رأس المال نحو هذا القطاع صعبة جداً ما لم تقدم المزيد من المغريات، علماً أن الزراعة في سورية مدعومة حتى قبل صدور قانون الاستثمار رقم 10 الذي يُعفي من الضرائب والرسوم وبشكل خاص الرسوم الجمركية إلى حدّ معيّن، بينما الإنتاج الزراعي معفى بجميع الأحوال وبشكل دائم.
صراحة
بالمقابل، نعتقد أن التنمية الريفية تشكل حلاً جوهرياً لوقف نزيف الهجرة من الريف إلى المدينة، وحسب مصادرنا فإن هناك دراسات وعملاً جاداً لتفعيل هذا الموضوع، إلا أن العمل على ملف التنمية ليس بالأمر السهل ولا يقتصر فقط على البنية التحتية، ولذلك يتطلّب هذا الملف تضافر جهود عدد من الوزارات (الصحة، الشؤون الاجتماعية، العمل، النقل، النفط..الخ) إضافة إلى وزارة الزراعة التي تلعب الدور الأكبر في هذا المجال.
وبكل صراحة أكدت المصادر أن المشكلة الرئيسية حالياً في ملف التنمية تكمن في عدم تضافر الجهود المطلوبة بين كافة الأطراف، لذلك هناك توجه لدى الوزارة لتحديد ماذا تريد في سبيل تنمية الريف ولو في مجال معيّن، بشرط أن يكون على مستوى سورية ككل وبالتالي توفير المزيد من فرص العمل.
دمشق– حسن النابلسي