ثقافة

في كتابه “النغم والكلمة” الموسيقار سهيل عرفة: كل ما يدور في خاطري من ألحان ينبوعها بلدي وأهلي

لأنه نجم يتلألأ في سماء الموسيقا العربية عامةً والسورية بشكل خاص ويذهل كل من يطّلع على تاريخه الفني وعطائه الموسيقي بالكم الهائل من التأليف الموسيقي والألحان الجميلة والإبداعات الرائعة التي زينت المكتبة العربية الموسيقية نجد أن لقب موسيقار لم يُعطَ لسهيل عرفة عن عبث وإنما كان يستحقه بجدارة وهو الذي أمضى حياته في عالم الموسيقا منذ سرت في شرايينه موهبة حبّ الموسيقا والغناء التي غذّاها بالدأب المتواصل خطوة فخطوة وبمعاناة شديدة وصبر كبير حتى حقق حلمه بإيصال موهبته الفذّة إلى الجمهور السوريّ والعربيّ والعالميّ. من هنا يؤكد الراحل ياسر المالح وأمل خضركي صاحبا كتاب “النغم والكلمة في حياة الموسيقار سهيل عرفة” الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب أن ما ذُكِر في هذا الكتاب عن مسيرة عرفة الفنية الغنية ما هو إلا غيض من فيض إلا أنه يعطي برأيهما وكما جاء في المقدمة القارئ فكرة عن عطاء هذا الفنان وتعبه وسعيه حتى وصل إلى ما هو عليه.
ابن دمشق
جاء في الكتاب أن الفنان عرفة تحدى نفسه وبيئته الدينية المحافظة جداً ومجتمعه التقليديّ المغلق بأن فتح الأبواب مشرعة في وجهه ليحقق ذاته الطامحة إلى أعلى درجات السمو والنجاح وأمضى حياته وهو ينهل أصول الموسيقا من مصادرها الحقيقية فأعطانا كنزاً ثميناً نفخر به في سمائنا العربية لأنه لم يكتفِ بالتلحين للمطربين السوريين وإنما تجاوزت شهرته سورية وامتدت ألحانه إلى المطربين العرب، وقد تنوعت ألحانه بين ما هو ديني ملتزم وعاطفي يجيش بالحب والجمال وشامي فولكلوري محلي ووطني يتغنى بحبّ الأرض والوطن وألحان موجهة للأطفال جالت العالم، كما وضع ألحاناً للمسلسلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والأفلام، وقد قدم كل ذلك بقوالب غنائية متنوعة ومقامات نغمية عديدة.. ويبيّن د.علي القيم في الكتاب من خلال المقدمة التي كتبها وهو الذي يتابع أعمال عرفة منذ زمن طويل أن عطاء وإبداع هذا الفنان يمتدان نحو 60 عاماً ويضم أكثر من 1500 من الأعمال والألحان المتنوعة والغنية الساكنة في ذاكرة الناس، منوهاً إلى أن عرفة هو ابن دمشق القديمة بامتياز، أخذ منها الأصالة والكفاح والعراقة وحبّ التراث والتمسّك بالعادات والتقاليد التي جعلته ابن بيئته التي أكسبته البراعة في التواصل مع الناس، مشيراً إلى أن ألحانه الرائعة سكنت ذاكرة الناس ودخلت في شرايين كل مواطن عربيّ، واللافت في الأمر برأيه أن هذا الفنان الكبير لم تثقفه المدارس والجامعات والمعاهد الأكاديمية بل ثقفته الحياة ورغبته الكبيرة في التعلّم واستطاع بقوة وعزم وكفاح أن يشقّ طريقه في عالم الفنّ الموسيقيّ واسع المدى، وأن يحصل على جوائز وميداليات عربية وعالمية، مشيراً د.القيم إلى أن الشيء المهم الذي يجب التأكيد عليه أن فناننا الكبير عرفة ناضل وسهر كثيراً من أجل الحفاظ على موسيقانا العربية السورية وإعطائها هوية متميزة، وعبَّر في مجمل أعماله عن حيوية هذه الموسيقا وأصالتها وشرقيتها، وكان دائم البحث عن الجميل والمشرق فيها، يأخذ من جذورها وينابيعها ويضيف إليها مشاعره وأحاسيسه وعواطفه وحبّه لها وقد حافظ وعلى امتداد عقود زمنية عدة على مستوى موسيقاه حريصاً  على روحها الشرقية الأصيلة، فلم يهبط بفنّه كما فعل غيره إلى مستوى المتاجرة والتلاعب بعواطف الناس والانسياق وراء الدارج والرائج والألحان التي تهدم وتلوث الذوق الفني تحت عنوان “الجمهور عاوز كده”.

150 لحناً للطفل
كان عرفة يؤمن في جميع ما قدم وأنتج وأبدع أن أغانينا وموسيقانا لن تصبح عالمية إذا جردناها من روحها وشخصيتها وألحقناها بالأغاني والموسيقا الأجنبية، لذلك كان ومازال يساهم مساهمة كبيرة في إبراز موسيقانا العربية السورية ونشرها عالمياً، لذلك وتحت عنوان “ألحاني في الوطن” يقول عرفة في الكتاب: “أنا دمشقي سوري عربي وكل ما يدور في خاطري من ألحان ينبوعها بلدي وأهلي وجيراني وأصدقائي والبيئة الشعبية، فأنا منها أستوحي وفي حاراتها أعيش، وكل حدث يتصل بالوطن سواء أكان نصراً أم نكسة يثيرني ويمسّ عواطفي فأدندن على عودي ما يعبّر عن مشاعري دون كلمة فإذا أتت الكلمات من صديق شاعر ألبستُ ثوب لحني الكلمات الفاتنة وبحثت عن الصمت الذي يؤدي الأغنية لتولد الغنية فيما بعد وتطلّ على مسامع الناس”.
أما ألحانه للأطفال فتنوعت موضوعاتها ويعتبر عرفة كما جاء في الكتاب هذه الألحان التي قدمها من أهم المحطات في حياته، مبيناً أنه لحّن أكثر من 150 أغنية للأطفال تناول فيها  القيم التربوية والأخلاقية والوطنية والصحية والاجتماعية، مشيراً إلى أنه تعامل مع عدد من أبرز شعراء الأطفال منهم: صالح هواري-عيسى أيوب-بيان الصفدي-أحمد قنوع، أما الأغنية التي جالت العالم لعرفة في هذا المجال وكان لها صدى كبير فهي أغنية “يا أطفال العالم” كلمات الشاعر عيسى أيوب وأداء هالة الصباغ التي أدتها في مهرجان النقود الذهبية الذي يقام سنوياً في إيطاليا ونالت عليها جائزة ذهبية عام 1999.

الموسيقا التصويرية
ولتجربته الغنية مع الموسيقا التصويرية توقف ياسر المالح وسهيل عرفة عند هذه التجربة في هذا الكتاب مطولاً حيث يؤكد عرفة أن هذه التجربة منحته ثقافة واسعة شديدة الخصوصية من خلال قراءته للأعمال المسرحية والسينمائية والإذاعية والتلفزيونية لتنسجم الموسيقا مع المضمون بحيث تعبّر عنه أصدق تعبير، ويشير عرفة سارداً أعماله الموسيقية التصويرية في المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، موضحاً أنه وضع موسيقا تصويرية للعديد من مسرحيات المسرح القومي مثل “السعد-المهرج-أنت اللي قتلت الوحش” في حين بدأت تجربته في السينما مع فيلمي “الفهد” و”السيد التقدمي” لنبيل المالح و”المغامرة” لمحمد شاهين وغيرها، كما وضع عرفة موسيقا فيلم نقابة الفنانين “مطلوب رجل واحد” و”سورية النظرة الثانية” وهو إنتاج مشترك بين مؤسسة ألمانيا الديمقراطية ومؤسسة السينما في دمشق، ويبيّن عرفة أن هذا الفيلم شاهده نحو 300 ألف مشاهد ألماني وأثنوا على الموسيقا التصويرية فيه، منوهاً في كلامه إلى أن هذه التجربة صقلت موهبته وجعلته يعشق الموسيقا التصويرية، أما في الإذاعة والتلفزيون فيبيّن عرفة أنه تعامل مع أسماء مهمة كالأديب الكبير حسيب كيالي والمخرج مروان عبد الحميد وعلاء الدين كوكش وغسان جبري الذي كانت البداية معه من خلال مسلسل “دولاب” لأحمد قبلاوي.
يُذكَر أن الكتاب تضمّن في نهايته كلمات لأدباء وفنانين عن الموسيقار عرفة وقد أكدت جميعها على أن تميز عرفة كان نابعاً من ثراء تجربته وغنى ثقافته الشعبية وهو فنان عصاميّ لأنه بالهواية والموهبة والدأب نشأت لديه ملَكة موسيقية استغلها فإذا به يرتفع إلى الصفّ الأول من الموسيقيين لا في سورية فحسب بل في العالم العربيّ، كما تضمّن جداول بأسماء الأغاني التي لحّنها عرفة مع أسماء مؤلفيها ومغنّيها وكذلك جداول بأسماء المسلسلات والتمثيليات والمسرحيات وموسيقاها التصويرية ومجموعة صور نادرة للموسيقار سهيل عرفة مع الفنانين السوريين والعرب، بالإضافة إلى بعض النوتات الموسيقية للأغاني التي قام بتلحينها. مع الإشارة إلى أن الكتاب صدر بعد رحيل الكاتب ياسر المالح بفترة قصيرة.
أمينة عباس