ثقافة

سالي غنوم.. امرأة من سورية

العاطفة والإصرار، الشغف والحب، الموهبة والإتقان ،القوة والتفوق ،ترويض الألم وتحلية الأوقات الصعبة باختراع الفرح. صفات لم تفارق روح المرأة السورية العصية على الانكسار والهزيمة في تاريخها العريق، وهاهي جينات زنوبيا وجوليا دومنا وأليسار،الخنساء والشاعرة “بلتيس” ماري العجمي ونازك العابد، تورق دوالي وكروم في دماء المرأة السورية التي تمر بها الحروب وتستنزف دموعها إلا أن روحها عصية على الهزيمة.
سالي غنوم سورية أخرى لم تكن ملمات الزمن الصعب إلا دافعا لها نحو انجاز ما تصبو إليه في الحياة غير الأمومة والأسرة، إنه الشغف والموهبة والإتقان والعاطفة، هي الجينات الأصيلة ذاتها تنده في دمائها.
في سن الخامسة بدأت “غنوم” الغناء والعزف السماعي على آلة البيانو، حيث نشأت في رحاب عائلة تحب الموسيقى والفن بشكل عام.
تقول سالي في حديث خاص للبعث: “كبرت على أغاني فيروز ومسرحيات الرحابنة والفن الغربي الراقي “باليه وأوبرا وسيمفونيات بيتهوفن، ثم بدأت دراسة الموسيقى في سن السابعة وشاركت في عدة أمسيات موسيقية في مسرح حلب الوطني وشاركت في كورال مع أخي في عدة كنائس في حلب”.
تزوجت “غنوم” بالشاعر السوري”عصام يوسف”، الإنسان الذي يحمل كل معاني المحبة والإنسانية والشهامة تقول سالي، وهو الذي شجعني وكان مؤمناً بموهبتي وأصَرّ على التطور الدائم لصقل موهبتي وتقديم فن إنساني راق”.
عملت “غنوم” كمعلمة للموسيقى والدراما وكانت رئيسة قسم في دبي في مدرسة ثانوية بريطانيه لمدة 7 سنوات وشاركت في أمسيات عدة ومسرحيات موسيقية وعروض مواهب.
كما شاركت في مسابقة راديو ستار للغناء وأحرزت المرتبة الثانية. عادت بعدها إلى سورية إلى ضيعة مشتى الحلو وتتابع سالي: “مشتى الحلو فتحت ذراعيها واستقبلتني ومنحتني الفرصة لأقدم فني لأبنائها من خلال كورال مشتى الحلو وأمسيات موسيقية واكتشاف مواهب عدة”.
وفي المشتى بدأت الخطوات الأولى في العمل الفني بإصدار الأغنية الأولى “الولدني” وهي قصيدة من كتاب “تراب ما بيشبه حدا” للشاعر عصام يوسف، لحنها ووزعها الموسيقار شعلان الحموي. بعد فترة من إصدار الأغنية على راديو المركزية في لبنان أرادت “غنوم” أن تصور”الولدني” بطريقة الفيديو كليب إلا أن ظروفا عدة حالت دون هذا الأمر.
وهنا شعرت تقول “سالي”: أنه علي أن لا أقف عند هذه المشكلة فراسلت واحدة من الجامعات الاسترالية في دبي وحصلت على منحة لدراسة الإخراج السينمائي وكان قرار ترك عائلتي “زوجي وابني” قرارا صعبا جدا ولكن بتشجيع زوجي الرائع وإيمانه بي تمكنت من السيطرة على مشاعري وأحاسيسي والتفكير بإيجابية بهذه الخطوة.
وعلى الرغم من المعاناة الكبيرة التي واجهتها “سالي” بعيدة عن ابنها “أندي” وزوجها ومجتمعها الحميمي، إلا أن تلك المعاناة كانت هي الدافع الأقوى في متابعتها لدراستها الجامعية بجهد كبير ومثابرة وإصرار كبير على النجاح و التفوق.
تقول سالي عن خيارها لدراسة مهنة الإخراج: “اختياري للإخراج هو جمع لجميع الفنون من شعر وموسيقى ورسم ونحت وهذا كان من أهم أسباب اختياري للإخراج كدراسة وأحسست انه لدي القدرة و النضوج الكافي لأكون متميزة في عملي وفني لم اكترث بعمري على الرغم أنني الأكبر سنا في الجامعة و لكنني الأكثر إصرارا على التفوق خاصة وأنني بعيدة عن عائلتي التي تضحي من أجلي في سبيل التميز والنجاح”.
تفوقت “سالي غنوم” في الجامعة بتصدرها المرتبة الأولى في قسمها وتم اختيارها كأفضل طالبة في مدينة دبي الأكاديمية. وأثناء تواجدها في الجامعة الاسترالية عملت “غنوم” على تحقيق حلمها بتصوير أغنيتها “الولدني” وبدأت بتصوير الفيديو كليب الخاص بها وذلك في استوديوهات الجامعة ودون أي تكلفة مادية، حيث جاء العمل من إخراجها وإنتاج الجامعة التي درست فيها في مدينة دبي، تم عرض العمل للمرة الأولى على شاشة الـ “أو تي في” اللبنانية مطلع 2015 في مقابلة أجرتها القناة مع الفنانة “غنوم” في برنامج يوم جديد.
شاركت “غنوم” لاحقا في مهرجان السينما للأفلام القصيرة في دبي عن حقوق الإنسان وكانت مشاركتها هنا بتمثيل دور البطولة في فيلم “خالد” وأيضا مشاركتها في كتابة سيناريو الفيلم الذي هو من إخراج “أحمد الصعيدي” وإنتاج الجامعة الاسترالية في دبي وقد نال الفيلم المرتبة الثالثة في المهرجان عن فئة الأطفال المعوقين. يعالج الفيلم موضوع تقبل الأهل لابنهم المصاب بالتوحد وإعطائه الفرصة كانسان ليأخذ دوره في المجتمع وخالد  على الرغم من انه طفل يعاني من التوحد لكنه في النهاية هو مبدع.
وتختم “سالي” حديثها للبعث بقولها: أتمنى أن أمثل بلدي في أفلام عالمية توصل الفن الراقي والرسالة الإنسانية في إطار المحبة والعدالة والسمو بالإنسان.
تمام علي بركات