ثقافة

مزاوجة الرؤية النقدية في الأدب المترجم

تقع بين أيدينا اليوم مجموعة قصصيَّة مترجمة، تفوح منها روائح خليج البنغال، جمعها وترجمها الأديب: (محمد الدنيا) تتنوَّع مواضيعها ما بين السياسة والدين والوجدانيات  وباقة من القضايا الاجتماعية، فتمَّ تسليط الضوء على أربع قصص منها، لأشهر المؤلفين في بنغلادش.
قصَّة (مسافران) للكاتب شوكت عثمان. إن الطريقة المعرفيَّة التي سار عليها الكاتب (شوكت عثمان) كانت طريق طويلة تلتمع في بهاء الحقيقة، فكان له صوتان: صوته المادي، وصوته الروحاني يتتبعان بعضهما البعض على تلك الدرب، ويُؤخذ له أنه قدَّم الجانب الروحي المتجسِّد في شخص (لالان فاكر) على الجانب الحسي المتمثِّل في شخص (جوياردار)، وذلك ليس بعامل المصادفة، وإنما لتملكه عنصر الحبكة بفطرة قصصيَّة تخلو من التعقيد.
إننا نلمس إشراقة الفكرة العرفانيَّة الصوفيَّة من خلال جملة بسيطة تلفَّظ بها (لالان فاكر) “ها أنذا أخيراً بين الناس” ص21
قصَّة (الشاعر) للكاتب سيِّد شمس الحق
إن شموس الحق ساطعة تبدد الظلمة في عالمنا المجنون، لكنك يا (سيِّد) أصبت تسديد الرمية في المعنى، وأخطأت في تبئير الحدث.
إذا ما حاولنا الغوص في عوالم نص (الشاعر) فإننا بحاجة ماسة إلى ميزة غوص متكاملة لا ينقصها سوى عبوات (الأكسجين) نظراً لضغط الشهيق والزفير، ونحن لاهثون خلف الحدث الرئيس لتقصيه عن الأحداث الفرعية والثانوية.
يدور النص في فلك شاعر حسَّاس، تحاول بعض أنواع السلطات أن تفرض عليه نوعاً دعائياً من الأشعار لأغراض سياسيَّة، فالكاتب أخذ بتصوير حالة الشاعر الذي تحيطه فئة خاصة من المجتمع بالقيود وبرغباتها الخاصة، ويسود النص سرد حكائي لعلنا نستطيع  وصفه بالمشاعي أو غير المنظَّم. إلا أنني لا أجد مهرباً من الإشارة إلى تداخل الفضاءات القصصيَّة في قصة (الشاعر) وصعوبة تتبع الحدث الرئيس لأنه لا يخلو من التشتت السردي الذي يتفرَّع أحياناً من الإشارة إلى الفضاء الجوهري للنص.

قصة (في الدم والندى) للكاتب: شوكت علي. إن الخط البياني في النص يتصاعد وفق الزمن مع تتابع السياق اللغوي وصولاً إلى الذروة، والنهاية المفتوحة، فهل كان (ريمهان) مخبول القرية وحسب؟! أم كان صوت الكاتب المتألم من هذه الحروب الذي يغرق في بحر ضجيجها؟
تموت بقرات (ريمهان) وتموت العجلة (روفابان) ثم تظهر الأرملة (كماله) التي تجعل (ريمهان) ثوراً بشريَّاً هائجاً. يغرق الحقل في بحر من الدماء، وتتلألأ حبَّات الندى في ليل مقمر.
إن هذه المقابلات تجسِّد لنا الفكر الناضج لدى الكاتب في إعطاء صورة واضحة عن الآثار السلبيَّة للحرب، وما كان هذا الضجيج والصخب الذي نجده منذ بداية الحدث إلا تعبيراً عن الفوضى المتداخلة في أعماق (ريمهان) ولعلها تكمن في أعماق الكاتب، لأن رغبته الجامحة تجاه النساء، وتحسس أجسادهن الناعمة لم تظهر جليَّة إلا بعد فقدانه العجلة (روفابان). فهل كانت عاطفته اتجاهها تشكِّل معادلاً موضوعيَّاً للرغبة الذكوريَّة القابعة في وجدانه؟ “حبيبتي” حاربي حيث توجد حرب، وليس هنا”.
الإبحار في قصة (الزورق الأسود)
لا يخفى أبداً ما في النص من شفافيَّة التصوير وشاعريَّة الحدث وروحانية العلاقات التي تردع رجلاً عن فتنة (كالي) وإن كان هذا الرجل والد زوجها، إن العلاقة (الديالكتيَّة) القائمة بين ألوان ما تعكس تلك المعاناة الحقيقيَّة لسكان خليج البنغال ابتداء من التكيُّف الدلالي في العنوان: (الزورق الأسود) مروراً بزرقة الماء في بداية القصة ثم ألوان الشفق التي ترسم ساحة ذهبيَّة تدور (كالي) بين أطرافها على الشاطئ وقت المغيب انتهاء بالظلمة التي تبتلع البطل والحدث والمكان.
كيف تنجذب (كالي) إلى عرض البحر؟! هل كان ذلك للفت النظر إلى أنها فكرة الضياع التي يحاول الكتاب تجسيدها عارية دون أن يمسَّها أحد بسوء؟ والعشرات من الاستفسارات التي لن نجد لها أجوبة مقنعة. الكاتب يحكي لنا معاناة حقيقيَّة تصبُّ في إطار اجتماعي، ويترك أمامنا النهاية في ديمومة واستمرارية بحرية بامتياز.
تعتبر المجموعة القصصيَّة (في الدم والندى) لوحات جميلة لطبيعة (بنغلادش).
كما تلفت المجموعة إلى وجود عدد من الديانات التي تم الحديث عن بعض رموزها.
الأدب البنغلادشي في النصوص بشكل عام.
شعيب إبراهيم