الملاذ الآمن
المعروف اقتصادياً أن قضايا سعر صرف العملة الوطنية والأسهم مرتبطة بالعامل النفسي بالدرجة الأولى، فحينما يصبح هناك استقرار في الوضع السياسي والأمني تستقر العملة وتعود فترتفع كتلة الإيداعات المصرفية، وهذا التطوّر الأخير دقيق وصحيح مائة بالمائة تؤكده البيانات المالية لأغلبية البنوك، إلا أن عدم استقرار سعر الليرة هو الذي يثير الاستغراب لا بل الاستهجان ما دامت الواردات والصادرات وعجلة الإنتاج بدأت فعلياً بالتعافي؟!.
إذاً.. ما الذي يجعل الناس تتخوّف وتحوّل أموالها إلى ليرات ذهبية سورية لدرجة نفدت فيها عدة آلاف من الليرات ويكاد المعروض منها يكون معدوماً بناء على معلومات موثوقة حصلنا عليها من تجار المجوهرات؟ ولماذا لم تعُد تجدي نفعاً التدخلات الرسمية، وحتى عزم “المركزي” على ضخ 65 مليون دولار خلال شهر، لم يكن كافياً لاستقرار سعر الصرف عند مستوى محدد ولو لأسبوع واحد، وبقي التذبذب غير الحميد، هو السائد؟.
ودون أن نبخس “المركزي” دوره في صمود الليرة السورية وخصوصاً ملاحقته للمتاجرين بالعملة والمضاربين الذين أشعلوا سوق الصرف سنوات، المطلوب منه ومن الجهات المختصة في وزارة الداخلية، الاستمرار في اعتقال أصحاب شركات ومكاتب الصرافة المتلاعبين بالأسعار، وتدخل مباشر عبر “المركزي” وضخ كتل دولارية كل أسبوع -وليس شهرياً- وهما سببان كانا وراء تثبيت سعر صرف الليرة فترات زمنية متوسطة المدى نسبياً.
عوامل القوة التي تستند إليها الليرة بدأت تعود من جديد، كعجلة الإنتاج والتصدير والخدمات السياحية، وبالتالي زيادة مرتقبة سنشهدها خلال العام الجاري في الاحتياطي النقدي الأجنبي، إضافة إلى عوامل سياسية ونفسية، بالمحصلة النهائية تعزّز الثقة بالليرة، ويفترض استثمارها أفضل استثمار لدفع السوريين إلى الهرب نحو الليرة السورية كملاذ آمن بدلاً من المعدن الأصفر المترنّح عالمياً والعملات الأجنبية، وتحديداً اليورو الذي هوى إلى أدنى مستوى لم يشهده منذ ست سنوات.
ودون قيام “المركزي” بضخ النقد الأجنبي في السوق غير النظامية بالوسائل غير التقليدية خلال يومي الجمعة والسبت، خلافاً للمعتاد، وذلك منعاً لاستغلال المضاربين عطلة نهاية الأسبوع من أجل رفع سعر الصرف، والاستمرار الجاد والشفاف في المراقبة الأمنية الحثيثة للمؤسسات المالية (شركات صرافة، ومصارف خاصة)، دون ذلك لن تفلح جميع تدخلات “المركزي” العلنية، في تحسين سعر صرف الليرة أو حتى استقرارها مدة طويلة من الزمن، وأعتقد جازماً أنه لا جدوى للمسكّنات التدخلية، إذا لم تستفد الحكومة من مجمل التطوّرات الاقتصادية والسياسية والأمنية الإيجابية في تعزيز الثقة بالعملة الوطنية.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com