العبء المتزايد هو ما دفع الحكومة إلى خفض العجز الواقع على الخزينة العامة خبراء: أسعار السلع بالسوق السوداء تضاعفت فور رفعها “رسمياً”..والمحتكرون أكبر المستفيدين
فتحت قرارات رفع أسعار المواد الأساسية المجال بشكل أوسع لتجار الأزمة ليتربّحوا، ورفعوا الأسعار في أسواقهم السوداء ليصبح سعر جرة الغاز 4000 ليرة بفارق 2500 ليرة عن التسعيرة النظامية ولتر المازوت 350 ليرة بفارق 225 ليرة، وربطة الخبز 75 ليرة بفارق 40 ليرة، ما يعني أن أرباح تجار الأزمة زادت على حساب المواطن الفقير، وسادت حالة من الفوضى والاختناقات المرورية في دمشق وريفها، فور الإعلان عن الزيادات وتوقفت أغلبية الباصات والسرافيس وسيارات الأجرة عن العمل بسبب رفع سعر المازوت وفقدانه من محطات الوقود.
ومن انعكاسات رفع الأسعار أيضاً اضطراب سعر الليرة لعدة أيام منتصف الشهر الجاري، وامتناع أغلب شركات الصرافة عن نشر الأسعار وتوقف حركة البيع والشراء، حيث سجل سعر الليرة بعد ساعات من تنفيذ القرارات الجديدة ارتفاعاً وصل إلى 218 ليرة في السوق السوداء، و185 في السوق النظامية مساء الأحد 18 كانون الثاني، وتجمّدت بعدها حركة السوق.
حلول
وبالمحصلة، فإن طريقة “استسهال الحلول برفع الأسعار بغض النظر عن التبعات جلب العمل بها أضراراً أكثر من المنافع، ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، كان الأولى بالحكومة ضبط الأسعار وتنفيذ قرارات صارمة بحق كل مخالف، موضحاً لـ”البعث” أن زيادة أربعة آلاف ليرة كانت ستجدي نفعاً لو ضبطت الأسعار لأن ما تم من زيادات رسمية حكومية يعادل ما تمت إضافته للمعاشات، كنسبة وتناسب، إلا أن المتحكمين بالأسواق –ويقصد هنا التجار– كان لهم الكلمة الفصل، وقاموا -كما في كل مرة وقبل صدور مرسوم الزيادة في الأجور- بتحليق غير شرعي في أسعارهم.
وبذلك كان الأجدى أن يغطى ارتفاع الأسعار التي كانت الحكومة رفعتها، وخاصة ما يخصّ المشتقات النفطية، من خلال زيادة الرواتب والأجور بذات القيمة، حسب رؤية الأستاذ بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق غسان إبراهيم الذي أكد ضرورة معاملة الرواتب والأجور مثل أيّ سلعة أخرى، لا بل بأحسن منها، أي أن تُرفع الرواتب والأجور لتستطيع سدّ حاجة العامل وتمكّنه من تجديد قدرته على العمل، مع توفر العامل النفسي المريح، وجهة نظر مغايرة تماماً للدكتور فضلية ترى أن العاملين في الدولة لا تكفيهم رواتبهم، لكن العبء الواقع على خزينة الدولة كبير في ظل توقف جزء كبير من قطاع الإنتاج في سورية، ما شكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد مع ارتفاع الأسعار، حيث تتحمل الدولة الكثير من الأعباء، ومن هذا المنطلق يبرر الخبير الاقتصادي الرفع التدريجي الذي تنتهجه الحكومة خلال العامين الماضيين.
ترشيد
وزير التجارة حسان صفية برّر قرارات الزيادة الجديدة بأنها جاءت في إطار خطة “عقلنة الدعم” (ترشيد) لكون البلاد تعيش “ظروفاً استثنائية”، بينما جاء قرار توحيد المازوت “استجابة لمطلب المواطنين منعاً لتهريبه إلى البلدان المجاورة” -على حد زعم صفية- علماً أن سعر لتر المازوت في لبنان وتركيا يعادل سعره في سورية، وربما مع أجور النقل يتجاوزه!.
وكانت الحكومة السورية قد أصدرت حزمة قرارات يوم الأحد الموافق 18 كانون الثاني، تضمّنت رفع أسعار السلع والمواد الأساسية (الخبز، المازوت، الغاز)، بنسب تتراوح بين 30 و55%، فسعر لتر المازوت غير المتوفر أساساً بلغ 125 بدلاً من 80 ليرة، والغاز المنزلي 1500 (سعر الجرة) بدلاً من 1100 ليرة، والخبز من 25 ليصبح 35 ليرة، مع الإشارة إلى أن نسبة بسيطة من المواطنين يحصلون على هذه المواد بالأسعار الحكومية بعضهم يتمتعون بواسطات لدى الجهات العامة التي توفر الغاز والمازوت على سبيل المثال لا الحصر، بينما تحصل عامة الناس على تلك المواد من السوق السوداء وبأسعار مضاعفة، وبالتالي كان تأكيد الدكتور فضلية ضرورة توفير المواد كشرط أساسي وضروري لتحقيق الهدف من رفع الأسعار ومن زيادة الأجور، على أن تترافق وباستمرار مع رقابة صارمة للأسواق على المعروض منها وتسعيرها، وإنزال أقصى العقوبات بحق المخالفين للقوانين.
وقود السوق
وتخفيفاً لانعكاس تلك القرارات على العاملين بالدولة، أتبعته الدولة بمرسوم رئاسي يقضي بمنح العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بعقودٍ سنوية، تعويضاً قدره 4 آلاف ليرة شهرياً، باسم تعويض معيشي..وحسب المرسوم، لا يخضع التعويض لأي حسميات، مهما كان نوعها، ويصرف مع الراتب أو الأجر أو المعاش، ويتم العمل بهذا المرسوم بدءاً من أول الشهر الذي يلي تاريخ صدوره، أي إن التجار والمنتجين على حد سواء خطفوا الأرباح قبل أن يقبض العاملون –وقود السوق- الزيادة الجديدة، وهذا ما يحصل دائماً قبل تطبيق أي زيادة في الرواتب؟.
دمشق – سامر حلاس