أما آن للعرب أن يستفيقوا؟
يريد تحالف محاربة داعش المزعوم والمكوّن من 40 دولة أن يوهم الناس أن قتل الطيار الكساسبة حرقاً قد شكّل صدمة هائلة تستدعي “هزات ارتدادية عنيفة” من الولايات المتحدة إلى المنطقة، وكأن الأمر لم يكن متوقعاً أبداً؟!
أسئلة عديدة، واستفهام إنكاري وليس حقيقياً عن تأخر الإعلان عن الجريمة شهراً كاملاً حيث الملك العربي عند السيد الأمريكي يوقعان مذكرة تعاون ودعم.
وفي الحقيقة يحق لهؤلاء أن ينفعلوا ويُحبطوا ويستغربوا… أمام هكذا صدمة، فما الذي كانوا يتوقعونه إذن من داعش؟.
إنها مهزلة، والجواب تعرفه بدقة المخابرات الأردنية والتركية والأمريكية… التي تدّعي الآن أن معلوماتها الأمنية لم تكن دقيقة، وأن المساومة بين الريشاوي والأسيرين اليابانيين، والكساسبة مشروعة.. لكن داعش يبدو أنه صار خارجياً «من الخوارج» انفلت من عقاله ولم يعد منضبطاً… فهل داعش إلا مكوّن من مكونات التطرف والتكفير والإرهاب المتشظية والمتكاثرة سرطانياً، وهل هؤلاء الآن بانتظار داعش «معتدل» يستحق الدعم لنشر الديمقراطية؟
لماذا هذه الصدمة إذن؟ وهل جريمة قتل الضابط الأردني الطيار تختلف عن جرائم قتل أشقائه من الجيش العربي في لبنان ومصر والعراق وسورية على يد تشكيلات متنوعة من عصابات التطرف والتكفير والإرهاب؟.
فلماذا يتعامل الأمريكان وحلفاؤهم مع الحدث الجلل – ولا شك – بانفعال سريع ومميز ومتزايد؟ وهل مبادرة أوباما إلى الأمر بتحديد موقع الرهائن لدى داعش في وقتها أم متأخرة جداً؟. إن تمويل التنظيمات الإرهابية، وتنقلها، وتواصلها، واتصالاتها.. أمور ليست عصيّة التحديد والضبط على التقنيات المتطورة والحديثة التي يملكها الغرب.
إنه القتل، إنها حقيقةً النار التي «وقودها الناس والحجارة» التي اختلط فيها الحابل بالنابل، فليست النار التي التهمت جسد البوعزيزي في تونس هي نفسها النار التي التهمت جسد الكساسبة، لكنها هي النار، والألم، والقلق، والدمار. النار التي تلتهب هنا وهناك لتحرق جسد الأمة بتاريخها وواقعها ومستقبلها، فمن المستفيد؟
إنه النتاج المخيّب للآمال من الصدام بين المشروعين الوطني العروبي من جهة، والصهيوأطلسي – الرجعي العربي من جهة ثانية، هذا الصدام الذي يشهد الآن انزياحاً أو انحرافاً مريعاً وهو ينخر جسد الأمة العربية والإسلامية. فليست المسألة الطائفية ولا المذهبية إلا الوقود الرخيص الذي تستعر بلظاه آمال الأجيال التي طالما حلمت بحصاد وفير من حركة التحرر والاستقلال العربية، ومن النهضة واليقظة العربية في القرن الماضي. وها هو الشباب العربي يُدفع به إلى مواجهة شرسة مدمّرة رخيصة وخسيسة لم تكن بالحسبان أبداً، فتخسر الأمة قوة البناء الحقيقية التي بدونها لا ينهض المجتمع ولا الدولة ولا الأوطان.
وليس الصدام بين المشروعين المذكورين، ولا الانزياح في هذا الصدام، سببين كافيين بمفرديهما لهذا الإرهاق والإحباط، فما يزيد الأمر وبالاً هو كارثة ارتهان القرار السيادي للإملاءات الخارجية، والامتثال للخطط والسياسات الصهيوأطلسية – الرجعية العربية. هذا الارتهان يغذّي الإرهاب ولا يهزمه، إنما يهزمه القرار الوطني المستقل، والجيش العقائدي البطل.
فهل من مراجعة نقدية عربية عروبية واعية تستلهم دقات قلب العروبة النابض؟
د. عبد اللطيف عمران