البعث أونلاينسلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعثمجلة البعث الأسبوعية

الحياة الحزبية.. والنقاط الثلاث

د. عبد اللطيف عمران    

الباحثون في أساليب العمل الحزبي عادة ما يجمعون على القول: إن أغلب الأحزاب السياسية تعمل على أن تحكم شعوباً ودولاً، في وقت تكون فيه هذه الأحزاب أحوج ما تكون إلى أن تمتلك القدرة على أن تحكم نفسها، وهذا ليس عيباً، ولا نُذر نهاية وإحباط لمؤسساتها ولكوادرها ولمحازبيها، فالعمل الحزبي على مدى الزمان والمكان يئنّ تحت وطأة الجمع بين الإنصات للتجاوب المؤقت مع أصوات الناخبين، وبين الاستجابة الدائمة لضرورة تطوير استراتيجية العمل لتحقيق الأهداف، كما أن صلتها بالحكومة لطالما انطوت على إشكالات صَعُبَ حسمُها، كما يحدث مثلاً مع حزب المحافظين في بريطانيا، وغيره كثير.
فغالباً ما تكون الأحزاب السياسية مضطرة للتجاوب مع مسرح الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتقلّب في أكثر الأوقات، ما يفرض عليها ديناميكية وبراغماتية أيضاً في الخطاب وفي الوحدتين التنظيمية والفكرية، وهذا ما يؤثر على هياكلها التنظيمية بين مؤسساتها وكوادرها، ويزداد الأمر وطأة حين تكون الأهداف تنطلق من العقائدية والمبدئية والثبات (إيديولوجية صارمة)، بينما الهياكل التنظيمية بحاجة إلى تطوير، لكنها تجد (كتلة) متحزّبة في التنظيم تشدّ الحزب إلى المبدئية التنظيمية التقليدية التي تخشى الانفتاح على المتغيرات في المجتمع والعالم مدّعية أن الانغلاق عاصم لها من التسيّب والانتهازية، وأن الشرعية التنظيمية هي دستور (مقدّس)، وأن الديناميكية فيها عمل لا شرعي عقيدياً وتنظيمياً، وهذا ما نجحت في حلّ معضلته عام 1970 الحركة التصحيحية في حزب البعث العربي الاشتراكي، وما ستنجح فيه اليوم – كما يبدو – كوادر الحزب بعد إنصاتها الجيد والمناسب لكلمة الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد صباح السبت الماضي.
ولهذا لا ضير في أن نقرّ بأن حزب البعث واحد من هذه الأحزاب العريقة في العالم الحديث والمعاصر والتي منها ما هو خارج الحكم، أو حاكم منذ قرابة قرنين من الزمن، وهذا بحكم غنى تجربته النضالية والفكرية في الدولة، والوطن، والمجتمع. بغضّ النظر عما اعترى هذه التجربة من نجاح أو نكوص مع الأيام، فإن ما ورد أعلاه إذ ينطبق عليه وعلى سواه من الأحزاب، فهو يقدّم كثيراً من المسوغات والمبررات للحكم بنصاعة سيرورة تجربتيه التنظيمية والفكرية، وطموحه لأن تكون التجربتان وحدتين متلازمتين، رغم ما في ذلك من صعوبة راهنة سببتها الحرب الكبرى وما رافقها من مأجورية وخيانة لا شكّ ومؤامرة عليه، وعلى الشعب والوطن والأمة: حقوقاً ومصيراً، أرضاً وشجراً وحجراً، قيماً ومبادئ وأهدافاً.
من هنا، في هذا السياق يمكن أن نعيد النظر في التجربة الراهنة التي يدخل الحزب فيها اليوم كوادر ومؤسسات وجماهير، والتي يطالب أغلبنا أن نحثّ الخطى لتكون (تنظيمية) بحتة نظراً إلى حاجة الحزب مع تقلّب الأحوال العامة إلى وحدة تنظيمية تتصدّى للمنعكسات السلبية لهذا التقلّب، سواء أن كانت هذه (التنظيمية) شرعية أم ديناميكية، فالمهم أن يصل بسرعة إلى منظومة جديدة واعدة وضامنة: هذه المنظومة الجديدة عليها أن تنهض بالواقع العام في الحزب والمجتمع والدولة.
لكن هناك من يرى غير ذلك، فيقول: أغلبنا لا يرى (التنظيمية) البحتة مجدية إذا كانت بمنأى عن الفكرية والسياسية والاقتصادية… إلخ، فهذا من مستلزمات نضوج الوعي اللازم للبعثيين حزباً وجماهير، ولعامة الشعب، فيكون الخطاب – كلمة السيد رئيس الجمهورية – ليس فقط خطاب الرفيق الأمين العام للحزبيين، بل لكافة القوى السياسية والاجتماعية في البلاد كحاجة وضرورة، انطلاقاً من أن البعث حزب جماهير الشعب وليس حزب المؤسسات فقط.
ويبدو أن الحَكَم بين الطرفين هو ما نجده من واقع يقال فيه: إن الناس تريد الإنجاز السياسي والاقتصادي والاجتماعي جاهزاً دون أن تنهض بواجب المشاركة فيه.
هذه المشاركة كانت هي أولى النقاط الثلاث التي أوضحها الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته، وإن كان ظاهرها تنظيمياً (توسيع المشاركة في الانتخابات) فهي اجتماعية وثقافية وسياسية أيضاً لما فيها من احترام للرأي الآخر، ولرفعها مستوى القاعدة بتحميلها مسؤولية الوعي اللازم للانتخاب ولنتائجه، هذا الوعي اللازم توافره للجميع توسّع سيادته فيه بشرح واسع مهم، تغدو كثير من فقراته ضرورية للاستشهاد بها كـ (مقولات) ومبادئ، منها على سبيل المثال:
قوتنا هي في وعي الجمهور وليس فقط في القوات المسلحة أو الخطاب السياسي – تفوّق المقاومة الفلسطينية في نشر الحقيقة مقابل خسارة الرواية الصهيونية التي كانت تتحكم في الرواية العالمية – يجب أن يكون لدينا دائماً رؤية «بعيدة» في القضايا الوطنية وما يهمنا في هذه النقطة الطابور الخامس الذي يعمل على إحباط الآخرين – المقاومة اليوم في فلسطين ولبنان تدافع عن كل البلاد العربية وهي العنوان الوطني والقومي الجامع، ما يثبت صحة الموقف السوري بدعمها…إِلخ.
أما النقطة الثانية، فكانت حول «سلوك» التدخلات والتداخلات في الانتخابات، الذي تتطلّب مواجهة تأثيره السلبي مجهوداً إضافياً. وهذا حكم عام يطال الانتخابات في الحزب، والمنظمات والنقابات، ومجلس الشعب والإدارة المحلية، سواء في هذه النقطة، أو فيما سبقها وفيما يليها.
والنقطة الثالثة، هي الرؤية والقرار الجديد في تشكيل اللجنة المستقلة من غير المرشحين للإشراف على الانتخابات التي عليها حماية القواعد من تدخل القيادات، وحماية القيادات من الاتهام بالتدخل، كما عليها أن تمنع تحول المال الانتخابي إلى مال سياسي ذي أهداف غير مؤسساتية وغير وطنية، أياً كانت هذه الانتخابات.
نعم الحياة الحزبية في البعث وطنية وعروبية وإنسانية، يجب أن تتكامل في ترسيخها وتطويرها استراتيجية ذات أبعاد تنظيمية وسياسية وفكرية واجتماعية، وعلى العمل الحزبي القادم أن ينهض بهذا التكامل استلهاماً لكلمة الرفيق الأمين العام للحزب، ولتوجهات سيادته.