مشروع مرسوم يمنحها مرونة وصلاحيات تجارية أوسع نشاط مؤسسات التدخل الإيجابي لم يحمها من تهمة التواطؤ مع التجار وابتعادها عن التنافسية
كيفيّة التعاطي في تأمين حاجة الأسواق واستغلال طبقة طفيلية من التّجار لهذه الحاجات، وافتعال الأزمات السعرية للنيل من الدولة والمواطن على السواء، فرض خلال الأزمة تدخلاً أوسع وأفضل للمؤسسات العامة (الاستهلاكية، الخزن والتسويق، سندس) للحدّ من الاحتكار وفلتان الأسعار، وبدور أكبر للدولة في الأسواق عبر أذرعها الحقيقية المتمثلة بمنافذ بيعها من دون وجود وسيط بحيث يكون القطاع العام هو التاجر.
وبعد أربع سنوات من الحرب على سورية، هناك من يرى أن مؤسسات التدخل الإيجابي مازالت مقتصرة على أداء الدور المنوط بها تجاه المستهلك في تأمين احتياجاته، من خلال طرحها لسلع منافسة من حيث السعر، وأن فارق الأسعار في مؤسسات التدخل الإيجابي عن الأسواق لا يتجاوز 10% وهو لا يشكل شيئاً في ظل ارتفاع الأسعار الحالي، حيث إن هذا الفارق قد يضعه المستهلك أجوراً للتنقل حتى يصل إلى منافذ هذه المؤسسات، بينما الغاية من وجودها أن يتراوح الفرق في أسعار مؤسسات التدخل الإيجابي عن أسعار السوق بين 25 و30% كحد أدنى.
متأخر
وثمّة من يعتقد أن تدخل الدولة من خلال مؤسسات التدخل الإيجابي كان متأخراً، ولم تكن هناك إجراءات حاسمة لمنع تجار الأزمة من استغلال الظروف الاقتصادية للمواطن، حسب تعبير فراس نديم عضو اللجنة الإعلامية في جمعية حماية المستهلك، الذي أشار إلى أن العام الفائت شهد ارتفاعات غير مسبوقة نتيجة الارتفاعات في أسعار الصرف وأسعار المحروقات، وهذا ما أثّر بشكل مباشر على المستهلك الذي بقيت مداخيله ثابتة مع ارتفاع الأسعار، وبالتالي لا تناسب بين المدخول والقوة الشرائية للمستهلك، ومن هذا المنطلق طالب رئيس جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها عدنان دخاخني مؤسسات التدخل الإيجابي بأن تكون لمصلحة المستهلك، وأن تتدخل لصالحه في تقديم سلعة مناسبة لدخله، لافتاً إلى أنه حتى تاريخه ومن خلال ما يرد للجمعية من شكاوى من قبل المستهلكين لم تستطع هذه المؤسسات من تحقيق ذلك، مؤكداً أهمية المحافظة على هذه المؤسسات ودعهما أكثر لتصبح يداً اقتصادية حقيقية تتدخل بالسوق وتكسر من حدة الأسعار.
تنافسية
إن أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق تنافسية سعرية بين هذه المؤسسات والقطاع الخاص، عدم تمكن وزارة التجارة الداخلية من الوصول إلى صيغة قانونية تسمح للقائمين على هذه المؤسسات باستيراد المواد مباشرة من الخارج أو من تاجر الجملة، أي إنها لم تستطع إلغاء حلقة الوسيط في عملياتها التجارية بحيث تحصل على السلعة من المنتج مباشرة إلى المستهلك، وذلك لتقليل التكاليف عليها، حيث إن الوسيط هو من يزيد في أسعار السلع، إلا أن مصادر رسمية في الوزارة كشفت عن مشروع مرسوم يعطي مرونة لمؤسسات التدخل الإيجابي ويمنحها صلاحيات جديدة. وتضمّنت مسودة المشروع أن تمارس المؤسسات الأعمال التجارية بكافة أنواعها للمواد المسموح بها (جملة– نصف جملة– مفرق) والاستيراد والتصدير والتوزيع داخل القطر وخارجه، وتأمين المواد والسلع من كافة المصادر المتاحة داخلياً وخارجياً لحسابها مباشرة أو بالعمولة لحساب الغير، وبيع وتوزيع وتسويق المواد التي تتعامل بها لحسابها مباشرة أو بالعمولة لحساب الغير، وتمويل مستورداتها من مصارف الدولة أو من المصارف الخاصة، والعمل كوكيل تجاري للمنتجين المحليين والأجانب والمستوردين والبيوتات التجارية (محلية– خارجية)، والتعاقد مع وكلاء لها ومعتمدين داخل القطر وخارجه لبيع وتوزيع السلع مقابل عمولة محدّدة.
وبعيداً عن التقليل من دور مؤسسات القطاع العام التي قامت بدور إيجابي في السوق واستطاعت أن تؤمن المواد وبأسعار مريحة للمستهلك خلال فترات، عدا أنها مراقبة صحياً وغير مغشوشة، فإن دورها لم يكن مكتملاً، إذ هناك حلقة ضائعة في عملية إيصال المواد الغذائية الأساسية للمواطنين، وهذه الحلقة هي الرقابة على حسن توزيع المواد على المواطنين لا على التجار، أي إن هناك رائحة تآمر تحاك بين مسؤولين عن صالات التدخل الإيجابي وتجار، وبحسب ادعاء الخبير الاقتصادي نضال طالب، فإن مجرد سماع التاجر بطرح مؤسسة لمواد بأسعار مدعومة يقوم بالاتفاق والتآمر مع مدير منفذ بيع ويسحب البضائع من الصالة بطريقة ما، بإعطاء حصة معينة لبعض موظفي الصالات، ومن ثم يقوم ببيع المادة التي تدعمها الحكومة في متجره، أي إن الدعم لم يصل إلى المواطن، بل أخذه التاجر، وذلك نتيجة فساد حقيقي في بعض صالات مؤسسات التدخل الإيجابي، ونتيجة غياب دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إضافة إلى جمعية حماية المستهلك التي لا نسمع منها سوى الكلام.
تشكيك
بالمقابل، كان حسن مخلوف المدير العام لمؤسسة الخزن والتسويق ينفي دوماً ما يروّج من ادعاءات تتحدث عن ارتفاع أسعار السلع المعروضة في منافذ مؤسسات التدخل الإيجابي، موضحاً أن الأسعار بالمجمل مرتفعة بشكل عام وفي صالاتنا العامة تبقى الأسعار منخفضة قياساً إلى السوق بنسبة تزيد على 25% ولا ننسى أيضاً صعوبات النقل التي تضيف ارتفاعات أخرى على التكاليف والسعر النهائي للسلعة.
بقي المواطن بين مشكك في إمكانية أن تلعب هذه المؤسسات دورها الإيجابي، ولم يلمس الكثير منهم فارقاً كبيراً أو منافسة تُذكر أمام أسعار السوق التي سبقت في أحيان كثيرة تلك الصالات في تقديم أسعار للسلع والمواد الغذائية منافسة، وفي الكثير منها أقل من سعر المواد في تلك الصالات.. أمام تلك الملاحظات التي يسجّلها المواطن المستهلك تبدو حالة من انعدام الثقة لاتزال قائمة حول دور تلك المؤسسات في قدرتها على كبح جماح الأسعار وارتفاعاتها باستثناء بعض المواد التي تنفرد تلك الصالات بتوفيرها للمواطن كالسكر والأرز وبعض الخضراوات والفواكه مثلاً وغيرهما من المواد.
دمشق– سامر حلاس