اقتصاد

نقطة ساخنة مناصب حلّابة ومُدراء معمّرون..!

سأل أحد المتوجّسين من الفساد الإداري في جلسة حوارية يديرها خبير في علم البرمجة اللغوية العصبية سؤالاً لا يعبّر عن براءة سائله، الذي تقصّدَ بطرحه للسؤال لفت أنظار الحضور لحقيقة وجوهر الارتباك الإداري المستشري في هيكلنا الحكومي.
ومفاد السؤال: ماذا يعني أن يبقى مدير عام أكثر من عشرين سنة في منصبه؟ ورغم تفاوت الأجوبة والآراء المتشعّبة حول هذا الموضوع، إلا أن أياً منها لم يشر ولو إشارة بسيطة “لخبرة وكفاءة هذا المدير النادرة”!.
ما يعني أن الأمر مرتبط بنواحٍ لا علاقة لها بمعايير معيّنة تحدّد أن هذا المدير المناسب في المكان المناسب، وإنما بنواحٍ لها علاقة بمعايير غير موضوعية تفتح الباب لخلل مشرعن إن صح التعبير، ولاسيما أن لكل إنسان طاقة على الإبداع والتطوير، وحسب علم الإدارة فإن طاقة أي مدير في تطوير إدارته تستنفد بعد بضع سنواتً، وبعدها لابد أن يشحذ تفكيره ويصقل خبرته بآليات جديدة تساعده على مواكبة تطورات العمل الوظيفي، وإلا سيجتر ما قدمه من أفكار لإدارته دون أن يأتي بجديد، وتكون النتيجة مزيداً من الترهل والحكم على المؤسسة بالموت البطيء!!.
عناوين كثيرة تندرج تحت موضوع طول فترة البقاء في المنصب، ليس أولها المحسوبيات ودورها برفد المفاصل الحكومية بكوادر غير كفوءة، وليس آخرها الحصول على امتيازات من تحت الطاولة لمسؤولين آثروا المصلحة الشخصية على العامة!.
لو سلّمنا جدلاً أن خبرة صاحب المنصب المُعمِّرْ هي بالفعل نادرة الوجود وتستدعي التمسّك به حتى يدير دفة القيادة ليصل بمؤسسته بر الأمان!. ألن يصل هذا المدير (النادر الوجود) يوماً ما إلى درجة كبيرة من الروتين العملي تدفعه –على أقل تقدير- لطلب نقله إلى مكان آخر يجدّد فيه حيويته العملية، وينهل معرفة وخبرة جديدتين ويتعرّف على موظفين جدد يضافون إلى قائمة علاقته المهنية والاجتماعية؟ أم إن التمسّك بالكرسي يقوقع الشخص على ذاته، ويجعله يخشى من المجهول واقتحام أجواء أخرى يتكيّف معها؟ خاصة وأننا نعيش عصراً متسارعاً بتطوراته اللحظية ومن لا يواكبها -ولو نسبياً- يجد نفسه في واقع غريب عنه، يصعب عليه مجاراته.
ما سبق يوحي وبلا أدنى شك.. أن مطالبة بعض أعضاء مجلس الشعب بضرورة تحديد مدة زمنية معيّنة لتولي المناصب الإدارية في الدولة منعاً للفساد، وذلك أثناء سماعهم أجوبة وزير التنمية الإدارية حول أداء الوزارة وجهودها للنهوض بواقع الإدارة العامة، يوحي بأن هذه المطالبة لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت من صلب واقع حكومي معاش، يحتّم بالضرورة إعادة النظر ليس بمدة تولي المناصب وحسب، بل بآليات ومعايير اختيار ولاتها، ولاسيما أنها –أي المناصب- باتت تعرف بـ(البقرة الحلوب) وفقاً للعرف السائد شعبياً !!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com