ثقافة

عمر حجو: الحياة أرقى مدرسة

أدرك الأب بفطرته معنى أن يمتهن ابنه العمل المسرحي وأنها رسالة سيبرع في تأديتها هو الذي لم يكن يرى جدوى من ارتياده المدرسة مردداً “لاحول ولا قوة إلا بالله كلما رافق ابنه لشراء لوازم المدرسة ليتبعها بكلمة” يا لطيف”.
هو الفنان القدير عمر حجو الذي عاكسته الظروف ومنعه انتقال عائلته الدائم من حي إلى آخر من إكمال تعليمه المدرسي كغيره من أبناء جيله بالرغم من سعي الأم الدائم لذلك وهكذا وجد نفسه ينتقل سريعا إلى العمل في الفن ومن باب المسرح ليثبت يوماً بعد يوم أن مدرسته هي حارته التي نقل منها كل مشاهداته وجسدها في أعماله.
على مسرح سينما سورية في حلب كان العرض الأول الذي شارك به، ومنه كان الانطلاق ومع الفنان عبد المنعم اسبر أسس فرقة الفنون الشعبية والتي قدمت عروضاً لافتة لمسرح جاد لاقى صدىً ايجابياً لدى الجمهور المتعطش لمسرح يبتعد عن التهريج والإضحاك المجاني، ومعها قدم مسرحية “الاستعمار في العصفورية” و”مبدأ أيزنهاور” اللتين فتحتا الباب على مصراعيه لتدخل مقص الرقيب شطباً وحذفاً للمشاهد التي لا تروق له الأمر الذي دفع فناننا للاحتيال على الرقابة واللجوء إلى فن الإيماء لإيصال رسائله دون كلام يقول في واحد من حواراته: مسرح “البانتونيم” هو ما أوصلني إلى مسرح الثقافة في دمشق لألتقي الإعلامي القدير صباح قباني الذي آمن بما أقدم وحاول دفعي إلى الأمام وهو مرحلة سابقة لمسرح الشوك وقدمنا فيه عروضاً لم تنج هي الأخرى من القص والحذف منها “الدائرة، النصر للشعوب تلاها الخاطبة”.
“مرايا” كان العرض الأول من مسرح الشوك الذي عمل عمر حجو على تأسيسه، فرض حضوراً مدوياً في الأوساط الفنية والإعلامية العربية التي رأت فيه دليلاً على الحرية التي يتمتع بها الفنان السوري، فيما بعد ظهر هذا الشكل المسرحي في لبنان تحت اسم  “كباريه سياسي”.
عن مسرح الشوك يقول الفنان حجو “على المسرح أن يقدم شيئا من واقع الناس ويومياتهم ولذا خلقنا هذا النوع، وهو عبارة عن “سندويشات” مسرحية متعددة ضمن مساحة العرض الواحد” هذا النوع كان مدخلاً للكثير من الأعمال النقدية التي رأيناها في السنوات الأخيرة كمرايا” ياسر العظمة وبقعة ضوء.

مع الفنان دريد لحام
يذكر مؤسس مسرح الشوك الفنان حجو كيف التقى القدير دريد لحام طالباً يدرس المسرح في مصر: “طلبت جامعة القاهرة من جامعة دمشق تقديم مسرحية “النصر للشعوب” التي انتقل صيتها للقاهرة فقدمنا العرض على مسرح جامعة القاهرة ويومها طلبت مني إدارة الجامعة تدريب طلاب المسرح على تلك المسرحية وكان من بينهم الطالب دريد لحام” الذي تعاون معه للمرة الأولى في عرض “جيرك” وفيما بعد تعاون حجو ولحام والماغوط في تقديم أهم مسرحيات الكباريه السياسي أو مسرح الشوك من مسرحية “الساعة العاشرة إلى ضيعة تشرين، غربة، كاسك يا وطن وشقائق النعمان” لينتهي هذا التعاون المسرحي بصانع المطر، بعدها يعود ابن حلب إليها ويتابع نشاطه في تفعيل وتنشيط الفنون المسرحية والعمل على عودة الجمهور إلى صالاتها.
عنه يقول ابنه المخرج “الليث حجو”: “رغم نبل المساعي التي تعب الفنان حجو من أجل تحقيقها إلا أنه ارتبط في ذاكرتي بصورة الأب الطيب الذي كثيراً ما رأيناه على شاشة التلفزيون يلبس واحدة ويخلع أخرى بتمايز كبير لم يكن بغريب على فنان بعمره وخبرته”.

بصمة
عاشق المسرح يرى أن له دورا كبيرا في السلم كما الحرب ويمتلك القدرة على التأثير الإيجابي في المجتمع وتحويل الأنظار والاهتمامات إلى اتجاهات أخرى وفضاءات مختلفة فهو له الدور الريادي بين بقية الأنواع الفنية ولذا يسمى “أبو الفنون”. وعندما يُسأل عما بقي في الذاكرة من مواقف عن مسرحه “مسرح الشوك” يجيب “البصمة” ويذكر حادثة أنه دعي في إحدى المرات كي يحاضر في مركز ثقافي حول المسرح فتردد وحاول التهرب يقول “كنت أخشى المثقفين” ولكن صديقه الكاتب الساخر حسيب كيالي أرغمه على الحضور وأدار الندوة ثم يكمل: قلت لهم آنذاك: “أنا عمر حجو، مواليد مدينة حلب، أحمل الشهادة الابتدائية، ليس لدي أي علم، درست في حارتي، وكل ما شاهدته فيها جسدته على المسرح، وإذا سألتموني عن شكسبير وغيره فلا أعرف أحداً منهم»، ومن ثم أخذوا يسألونني عن الكاتب الفلاني والمخرج الفلاني، فقال لهم حسيب: «ألم يقل لكم إنه لا يعرف أحداً، ولكن عتبي عليكم أنتم المثقفون أصحاب الشهادات العليا، أنكم لم تأتوا بجزء يسير مما فعله عمر حجو وهو مسرح الشوك، فمسرح الشوك مدرسة من مدارس المسرح في الوطن العربي، ويا ليت كل من يقرأ كتاباً منكم يفعل ما فعله عمر حجو في ذاك المسرح».

أبو عبدو
عن الدراما يقول: “ميزة الفنان السوري أنه مثقف حقيقي فنياً واجتماعياً وسياسياً ويعرف كيف يسخر المسرح والعمل الدرامي حسب مصلحته والدراما نشرت اسم سورية فسبقتنا لهجتنا السورية إلى جميع البلاد العربية وغير العربية” وهو يرى أن تنوع الأعمال والمواضيع التي طرحتها درامانا كانت السبب الرئيس لقفزتها النوعية وبأنها باقية قوية ومطلوبة كما عهدناها دوما رغم كل الأزمات والضغوط.
ولأنه يعرف أن السوري يشرب السياسة مع الحليب يؤمن أكثر أن ما يجري لا علاقة له بمعارضة وموالاة ويصف داعميه والحريصين على استمراره بالغباء السياسي “قبل خمسين عاماً كان مشروع حلف بغداد والآن مشروع شرق أوسط جديد إذاً مؤامراتهم مستمرة وهي لا تختلف سوى بالشكل”.
للفنان حجو العديد من المشاركات التلفزيونية والتي كان أولها “ساعي البريد “ للمخرج سليم قطايا وصولا إلى مسلسلي “الخربة وسنعود بعد قليل” بدور “ أبو عبدو” المعارض مرورا بمسلسل “خان الحرير والثريا للمخرج القدير هيثم حقي “البقعة السوداء وتقاطع خطر ثم بيت عامر” ويذكر أن له مشاركات سينمائية عديدة منها فيلم الحدود والتقرير والعديد من الأعمال الفنية التي كانت الدليل على انتصار كبير لفتى لم تتح له الأيام دراسة تقليدية فكانت له الحياة أرقى مدرسة.
بشرى الحكيم