ثقافة

أكواريل في النقد التشكيلي

أثبت العديد من فنانينا التشكيليين حضورهم وانتزعوا اعتراف العديد من الجهات الأكاديمية والفنية بأهمية الفن التشكيلي السوري، وقد رافق مخزوننا التشكيلي جملة من المعارف النقدية التشكيلية المواكبة، فهل شكلت هذه الكتابات التشكيلية الرديف أو الموازي للوحة أو المنحوتة؟ وهل كانت هذه النصوص من الأهمية الإبداعية التي لا تقل عن عمل الفنان ذاته، وهل توفرت في منابرنا ووسائلنا الإعلامية هذه الكفاءة الناقدة والمشبعة بالروح الفنية ولديها من المؤهلات ما يكفي؟
بعض من الجواب: نعم يتوفر عدد منهم وقد أسسوا لما يقارب المنهج الذي يتسم بالعلمية والمواكبة أسهم عبر سنوات من ممارسة النقد وإنتاج العمل الفني وتدريسه، مما كرس أسماء مهمة، ولا نغفل نفر منهم ارتحل عن الدنيا وهو يحلم بمشروع جمالي تشكيلي مستقبلي مستند على كم من الثقافة البصرية والتاريخية، وقد كانوا بحق أساتذة لجيل كامل ولا يزال منهم على قيد الحياة ينتج ويكتب رافدا ومنظرا لجملة من الفنون التشكيلية  وعارفا خبيرا بالموجود التاريخي والإنساني. نذكر: د. عفيف بهنسي- د. عبد العزيز علون– خليل صفية– أسعد عرابي– د. محمود شاهين وغيرهم “وهنا نتوجه بالتحية للناقد صلاح الدين محمد متمنين له الشفاء والصحة”.
“على  الناقد أن يسبق الفنان في رؤياه للطبيعة وللعالم والناس”.
إن مهمة النقد لم تعد بالأمر السهل، فكيف يمكن أن يقوم نقد موضوعي في ظروف تعددت فيها المفاهيم وأصبح الفنان الأصيل في حيرة من عالمه ومن إنتاجه ومفاهيمه، فأزمة النقد في الفنون التشكيلية ترجع إلى مشكلات عامة لها علاقة وثيقة بتطورها الثقافي والفكري. وهل من أسس للنقد التشكيلي، وهل هو مستقل خاضع لمعطياته، أم هو ميدان فوضوي مسموح فيه استعمال جميع المصطلحات المتداولة.
إن دراسة أي مادة تحتاج إلى منهج، وكل منهج يعتمد على مصطلحات دقيقة تستعمل بدقة محسوبة، فمن الضرورة إيجاد لغة فنية يسهل التفاهم بها دون مشقة، حيث من خلالها سنحدد بدقة ماهية المادة التي نتناولها بالنقد والعرض ونتساءل عن غاية وجودها والدور الذي تؤديه وننتفع به دون الولوج في تشييء هذه المادة، كما نتساءل عن قيمتها ونصحح المفاهيم حولها وعنها. ومن المهم أن نخرج بالنقد الفني من الكلمات الجوفاء المستعملة دون غاية محددة ، لنصل إلى لغة علمية دقيقة تساعد العين على الوضوح وتمحو سوء التفاهم الذي يمكن أن ينتج بين الناقد والقارئ، إما من ضبابية في التعبير، أو غموض في الكلمات وبالتالي في متاهة اللغة مما يؤدي إلى المتاهة حتما.
نحن بحاجة إلى من يعطي امتدادا ايجابيا للأعمال الفنية وإلى إبراز معالم الجمال الثرية وأن يساعد على فهمها وتذوقها، كم نحتاج إلى هؤلاء الذين يتمتعون بثقافة فنية وبصرية واسعة، مهتمين بأصالة كل عمل ومدركين للتحولات والتطورات العالمية وتأثيرها على المنتج الفني العالمي، وليس هذا في متناول الجميع فغالبا ما تكون هذه التحليلات سطحية وتخضع للتعاطف والقبول ويتناوب بين الوعظ والتقييم. فقد يتحول الكاتب إلى ناطق رسمي يكتب عن فلان ويدافع عن أعمال فلان لأغراض شخصية تدفعه لذلك، فالناقد يختار تجربة تعاطف معها أولا ثم لمس التناقضات والعلاقة التي تربط الإنسان باللوحة أو اللوحة بالإنسان ويكتب برؤية واضحة وبعين ذكية متذوقة.
مجموعة من الأسئلة التي طرحت هنا من قبل سنوات وقد ناقشتها العديد من المؤسسات والهيئات الفنية في الدول العربية الأخرى، وما أسلفناه جاء في معظمه من أفكار وأطروحات لبعض المهتمين في المغرب العربي ومدونة قبل نهاية القرن الماضي بعشرين سنة، وقد قطعوا أشواطا متقدمة في منجزهم التشكيلي قاده عديد من نخبة فنانيهم بالتوازي مع جهود باحثة وناقدة ومؤرخة. ويلح السؤال هنا وليس مقارنة بل بدافع الود والغيرية.. أين حوارنا العالي في هذا الشأن؟ وإن وجد فليكن بصوت عال ومسؤول. ومتى ننتهي من هذه  المشاعية في الكتابات الصحفية والإعلامية حيث يتاح لكل من هب ودب أن يكتب عن معرض أو فنان،يخلط فيه الشكل بالمضمون، وينظر إلى العمل الفني من زاوية الذوق الخاص، سؤال لمؤرخي ونقاد الفن التشكيلي: كيف يمكن أن ننظر ونكتب في الفن الآن؟ وللحديث شجون.

أكسم طلاع