محليات

بين قوسين “مبكر… ومشؤوم”

حتى لا تعتقد وزارة العمل أن تحوّلاً ما طرأ على موقف التنظيم النقابي “المتشدّد” أصلاً حول مشروع قانون التقاعد المبكر القديم الجديد، سارع اتحاد العمال صاحب الرصيد الكبير في رفض هذا التوجّه جملة وتفصيلاً إلى رفع سبّابته بوجه “عرابي” النص “المشؤوم” الذي يفرغ القطاع العام من كوادره والأهم خبراته العتيقة التي تحمل العبء الأكبر في إدارة الأداء وضمان الديمومة والبقاء، بأمانة ثبت أن القادمين الجدد غير قادرين على حملها ولو انتظرناهم سنوات طوالاً حتى يكتسبوا شيئاً، ولكن عبثاً نحاول لأن قنوات التعيين والتوظيف المخترقة قلما تأتي بالعناصر المأمولة علمياً وتقنياً وذهنياً.
مع قدوم الوجوه النقابية الجديدة بزخمها الذي كانت “البعث” شاهدة وناقلة له في تصريحات رئيس اتحاد العمال الجديد جمال القادري، حاول اتحاد العمال قطع الطريق على المعتقدين أن تغييراً قد يحصل عند الطاقم الجديد لجهة الموقف من “التسريح المبكر” ليأتي الحسم على لسان الرجل الثاني في الاتحاد الذي قال بالحرف: “ما زال الاتحاد العام لنقابات العمال متمسكاً بأسباب رفضه تطبيق المشروع، حيث لا يزال يطرح بين فترة وأخرى، ثم يعود من جديد من وزارة العمل بهدف معالجة مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل جديدة…”.
وحتى لا يصطاد أحد بالماء العكر تم قطع الشكوك بأن الاتحاد معنيّ ومسؤول عن معالجة البطالة وإيجاد فرص عمل لجيل الشباب، إلا أنه يؤكد أن التقاعد المبكر ليس الحل لجملة أسباب يأتي في أولها أن سن قوة العمل يتحدّد بين 15- 65 سنة، وكل من يخرج من العمل ضمن هذا السن يعدّ عاطلاً عن العمل.
ولأهمية الطرح دعونا نزيد في الاقتباس الذي يبدو أنه فاضح لمن يدعي غيريّته على القطاع العام “.. فخروج العامل إلى التقاعد المبكر بسن 50 عاماً زيادة أو نقصاناً سيدفعه إلى العمل في مكان آخر تحديداً في القطاع الخاص ولكن بأجر أقل… هذا فضلاً عن أن الأعباء المالية الكبيرة التي سيرتبها مشروع التقاعد المبكر لا تتحملها مؤسسة التأمينات الاجتماعية ما يهدّدها بالإفلاس، وبالتالي يصبح مصير جميع العمال المتقاعدين الحاليين مهدّداً بالخطر، إضافة إلى أن المشروع يكبّد مؤسسة التأمينات الاجتماعية خسائر كبيرة وهي عوائد واشتراكات العمال الخارجين للتقاعد المبكر..”.
إلا أن النقطة الأهم في كل ما ذكر أن المشروع المقدّم مع الأرقام المبررة للمشروع والمقدّمة من وزارة العمل، يثير الكثير من التساؤلات ما حدا بالمسؤول النقابي الرفيع إلى اتهام الوزارة نفسها بالافتقار إلى الدقة، ولن تمرّ على “عتاة” التنظيم النقابي تلك الصيغة التي حيكت بهدف تسويق المشروع والتضليل ليس إلا؟!.
ويبدو أن الاتحاد صعّد اللهجة هذه المرة ليكشف أن مجلس حكماء “التأمينات” لم يطّلع على المشروع ولم يُعرض عليه أو حتى لم تتم مناقشته، ليبقى الجدل سيّد الموقف في أكثر الملفات حساسية وتوتراً بين الحكومة والنقابات التي تعتبر المشروع بمنزلة “المؤامرة” على مؤسسات الدولة ورصيدها الكبير من العمال الذين بات الحفاظ على من تبقى منهم واجباً وطنياً وأخلاقياً وأمنياً وسياسياً، لأن العمال ومعهم الفلاحون جنود في الخندق الثاني بعد الجيش في المواجهة.
والسؤال المباشر لماذا لا يتم البت بهذا المشروع نهائياً على أعلى المستويات التنفيذية والنقابية والتشريعية ليكون هناك حلان لا ثالث لهما، إما إقفال الملف أو تبنّيه بصورة توافقية، وهذا ما لا يبدو لائحاً في الأفق؟!.
علي بلال قاسم