ثقافة

المونولوج الدرامي هو الأعمق والأكثر تطوراً من الطقطوقة

تقصّد الباحث الموسيقي وضاح رجب باشا الجمع بين الطقطوقة والمونولوج اللذين يعدان من أنماط الغناء العربي، ودخلا معاً عالم السينما الغنائية وأبدع بهما عمالقة التلحين والغناء مثل سيد درويش والقصبجي وعبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وغيرهم، ومرّا بتطور واضح عبْر الكلمة واللحن في محاضرته الشهرية في (أبو رمانة) -من سلسلة موسيقا الزمن الجميل –لبيان الاختلاف بينهما رغم التشابه الذي يجمعهما.. والأمر المثير أيضاً أن هناك أغنيات مشهورة جداً كنّا نعتقد أنها قصيدة ملحنة لكنها في الواقع تنتمي إلى نمط الطقطوقة مثل أغنية “ودارت الأيام” لأم كلثوم وأغنية “الربيع” المغرقة في الحزن لفريد الأطرش، وكشف سرّ الأداء العاطفي لعبد الحليم.
بدأ الباحث بتعريف الطقطوقة التي تعني: الأغنية الخفيفة، وتمتاز ببساطة اللحن وسهولة الأداء، وكلماتها تُكتب بالزجل فقط، وتتألف من مذهب ومجموعة أغصان (كوبليهات) ويتكون المذهب من بيتين يكتبان بالعامية، ثم تأتي الأغصان التي من الممكن أن تكون ثنائية أو ثلاثية أو رباعية.
ظهرت الطقطوقة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، واتسمت في بداياتها بوتيرة لحنية واحدة للحن بسيط لايتألف من الجمل اللحنية الصعبة ولا يظهر القدرة الصوتية للمغني، فلم تكن تتجاوز أربع دقائق، وما ميّزها آنذاك وجود المرددين الذين يرافقون المغني ويرددون مقولة المذهب قبل أن يدخل المغني الغصن، والمذهب يعني بداية الطقطوقة، أي الافتتاحية. وفي هذه الآونة اشتُهرت طقطوقة عبد الوهاب “ليلة الوداع–بالك مع مين يللي شاغل بالي –حسدوني وباين في عينيهم” إذ قدم أكثر من 157 طقطوقة امتدت من البسيطة إلى المعقدة، كما غنت أم كلثوم الكثير من الأغنيات التي تنتمي إلى الطقطوقة بتلحين النجريدي وسيد درويش والقصبجي.
ومع بداية القرن العشرين تطورت الطقطوقة من خلال جهود بيرم التونسي، وبديع خيري الذي اشتُهر بكتابة المسرحيات الغنائية، ومن ثم دخل أحمد رامي عالمها.

تنويع المقامات في الطقطوقة
ابتداء من عام 1928 تطورت الطقطوقة بجهود زكريا أحمد وأصبحت مدتها تصل إلى 12 دقيقة، وسُميت كما قال الباحث وضاح باشا بالطقطوقة المعقدة، وفي هذه المرحلة خضعت لتطور واضح من حيث الكلمة واللحن فأصبح للمذهب لحن، ولكل غصن لحن منفرد، واتسمت بتعددية الجمل اللحنية وبتنويع المقامات، فعلى سبيل المثال يُبنى المذهب على مقام الرست، والغصن الأول البيات، والثاني السيكا، والثالث حجاز، لكن التطور الأكبر بدا واضحاً في الثلاثينيات من القرن الماضي إذ أُلغي المرددون واْستُعيض عنهم بالمقطوعة الموسيقية للتخت الشرقي التي صارت تؤدي لحن التسليم للغصن مع التنويع بالمقامات والإيقاعات مما أكسبها روحاً جديدة في عالم الموسيقا الشرقية.

الموال في الطقطوقة
استمر تطورها من خلال عبد الوهاب الذي مزج الموسيقا الغربية بالشرقية وفريد الأطرش الذي أدخل إليها الموال قبل بداية الغصن الثاني، ثم تأتي القفلة ثم الغصن الثالث فكان لطقطوقة “زينة زينة” وقع كبير أثّر بالغناء العربي إلى أن جاءت طقطوقة “الربيع” ليتضح تطورها الواضح في كل غصن، إذ يُبنى على جمل لحنية تتناغم مع المفردات. ومن الطقطوقات المتطورة جداً “مادام بتحبني بتنكر ليه –أنت فاكر ولا ناسي” وغدت الطقطوقة الأشهر والأكثر تأثيراً فغنت نجاة”القريب منك بعيد” وفايزة أحمد “أنا والعذاب”.. وأصبحت الطقطوقة بطلاً في أفلام السينما الغنائية فتلازمت مع أفلام عبد الوهاب، وغنت وردة عدة أغنيات من نمط الطقطوقة كما في فيلمها “ألمظ وعبده الحمولي”.

المونولوج أقوى من الطقطوقة
يشبه المونولوج عالم القصة، فيسرد حكاية بين أجزائه لها مقدمة، ثم تتصاعد الأحداث وصولاً إلى النهاية، لذلك سُمي بالمونولوج الدرامي، وهو -كما يذكر الباحث- أقوى وأعمق منها ويظهر المساحة الصوتية لحنجرة المغني ولا يعتمد على اللحن، فبرع به عبد الوهاب وأم كلثوم لاسيما في الفترة ما بين العشرينيات إلى الستينيات، وكذلك فريد الأطرش، يكتب باللغة الفصحى والعامية ويلتزم به الملحن بالمقام، فإذا بدأ مثلاً بمقام البيات يجب أن ينتهي به، ويمكن للمؤلف أن يستخدم فيه عدة بحور شعرية تخضع لجمل لحنية معقدة.
ثم تابع الباحث حديثه عن تاريخ المونولوج الذي بدأ ظهوره في الغرب في أواخر القرن الثامن عشر 1890ومن ثم انتقل إلى العالم العربي من خلال المسرح الغنائي، ثم دخل إلى عالم السينما وبعد ذلك إلى الإذاعة، ومن ثم الحفلات الإفرادية، وهنا تغيّر المونولوج من المسرح وأداء مجموعة من المغنين إلى الشكل الإفرادي لمطرب واحد ترافقه الفرقة الموسيقية، ويعود الفضل بتطور المونولوج إلى القصبجي، وشاركه أحمد رامي بصياغة الكثير من المونولوجات الشهيرة التي غنتها أم كلثوم مثل “أنسى الأسية” و”أيها الفلك على وشك الرحيل”.

الأداء الدرامي للمونولوج
اشتُهر عبد الحليم حافظ بغناء المونولوج و-كما يضيف الباحث- فإنه استعاض عن مساحة صوته المحدودة بأدائه وإحساسه العاطفي بتجسيد قصة المونولوج مثل “فاتت جنبنا وقالت لي أنا من الأول بضحكلك يااسمراني”وأغنية “أنا لك على طول خليك ليّ” وأغنية نجاة “ساكن أصادي وبحبه”.

المونولوج الساخر
وختم الباحث محاضرته بالحديث عن مصطلح المونولوجست، ويعني المونولوج الساخر، ولايندرج ضمن نمط المونولوج الدرامي، واتخذ في بعض الأحيان صيغة الثنائية.
ومن خلال الآراء العامة كان الجمهور العربي أكثر قرباً وتأثراً بالمونولوج الدرامي، كونه يسرد حكاية حبّ بكل تفاصيلها.
مِلده شويكاني