ثقافة

الكذب الجميل

منذ زمن بعيد كانت النساء تدفع للبصارات والمشعوذات وقارئي الفنجان والكف فقط ليسمعن منهم كلاماً جميلاً عن المستقبل، وبعدها تطورت الحالة وأصبح الاعتماد على الأبراج وتحركات الكواكب والفلك، وفي العصر الحالي، وبفضل التطور المترافق مع التكنولوجيا الحديثة وصلت الأمور لحدود الهوس المرتبط اليوم باختبارات الفيسبوك الذي يعتبر فسحة لخلق أي فرحة وسط حالات البؤس المفروضة إضافةً إلى تعزيز الثقة بالنفس والبحث عن مخارج لهذه الحياة بعيداً عن الواقع.
اليوم تحول الفيس بوك إلى أداة يومية، مثل فاتورة الكهرباء يجب أن يكون لدينا اشتراك فيها، وهو ما حدث تماماً عندما بات لزاماً على الجميع مواكبة هذه التطورات التكنولوجية الحديثة فقد ظهر أجيال من الشباب لديهم أحلاماً وتطلعات وآمال جديدة وكبيرة حول مستقبلهم. في الواقع، خلقت هذه التطلعات حالة من التعطش لمعرفة المزيد عن هذا العالم الافتراضي وظلوا شديدي الشغف بما تنتجه هذه التكنولوجيا من برامج مختلفة، ولكن في الوقت نفسه كانوا أكثر تعلقاً أو تمسكاً بألعابها حتى أنهم أصبحوا ينتظرون كل صباح ما سيقدمه لهم هذا العالم أو “اختبار اليوم” مثل: “من أنت بالنسبة للشخص الذي تضعه في بالك؟”، “ما هو مقدار حبك لنفسك؟”، “اعرف نوع حظك” “كم مرة سوف تتزوج في حياتك؟”…الخ ماهنالك من اختبارات تأسر بعض مرتادي “الفيس بوك”.
في الواقع، أصبح العالم من خلال هذا الموقع مجتمعاً صغيراً، وهذا الأمر متفق عليه من قبل الكثيرين، لكن العادات والتقاليد ضمن هذه القرية مختلفة قليلاً عن الواقع الذي نعيشه، فاليوم أصبح هو من يحدد لنا مع من يمكن أن نشرب القهوة في الصباح؟ بالإضافة إلى أي من المشاهير يريد شرب القهوة معي؟ ولكي تظهر النتيجة “السحرية” ليس على المستخدم سوى الإجابة على بضعة أسئلة ليصل إلى الاسم الشهير المراد معرفته. وفي الحقيقة يدور في ذهني عند معرفة الاسم هل حقاً تريد هذه المستخدمة أو هذا المستخدم شرب القهوة مع هذا النجم المشهور؟ وإذا فرضنا أن العملية تمت بنجاح ما الهدف من ذلك؟ هل هو دليل قوي على أن الشباب يعيشون حالة من الفراغ المسيطرة عليهم، أم أنها حالة من الهروب طمعاً بأمل زائف لتجميل الحياة بسبب واقع أليم يعيشه السوريون اليوم.
الملفت في الأمر أن كثيراً من الشباب انجروا وراء هذه الاختبارات، وهذا يعكس أن الشباب والرجال مهتمين أيضاً “بالكذب الجميل” حيث لم تتوقف هذه الألعاب عند هذا الحد وإنما دقت باباً يشكل هاجساً كبيراً لديهم وهو السفر، إذ يقدم “الفيس بوك”، وبكل بساطة وسهولة، اختباراً بسيطاً “أين تستحق أن تعيش؟” فهو يولد لدى المشترك إحساس كبير بأنه يستحق العيش في البلد الذي يختاره “الفيس بوك” بالصدفة، لتظهر نتيجة تجعل الأمر وكأنه حقيقة فيسعى لاقتناص الفرصة الواهية، وهنا يحضر السؤال: هل فعلاً وصلنا لهذه المرحلة التي نبحث فيها عن أي كذبة حتى نهرب من واقعنا؟! أم أن هذا كله مجرد لهوٍ ولعب. ففي الوقت الذي يطمح بعض المستخدمين لتحقيق حلمهم الكاذب، شكلت هذه الاختبارات إزعاجاً كبيراً للكثيرين، ويبقى السؤال لديهم إلى أي مدى تعتبر هذه الاختبارات علمية ومن القائم عليها؟ وهل تهدف بأن تكون ألعاب “الفيس بوك” هي المتحكمة بطموح وأهداف الشباب السوريين؟.
جمان بركات