«العولمة وعولمة اللغة العربية»
لا يمكن لأي منا اليوم أن ينكر التأثير الكبير للعولمة على كل مناحي الحياة، وتفصيلاتها، ذلك التأثير الذي عززته وسائل الاتصال، والمنجزات العلمية، والتكنولوجية التي قرّبت المسافات، وبالطبع درجة التأثير تختلف بحسب أسلوب التعامل مع منجزات هذا العصر، وفي هذا السياق تندرج المحاضرة التي ألقاها د. معن النقري في مجمع اللغة العربية بدمشق تحت عنوان: «العولمة وعولمة اللغة العربية».
عاد النقري في تعريفه للعولمة إلى محطات تاريخية مهمة، كان لها الدور البارز في التنظير للعولمة، وتبلورها، ومن تلك المحطات أواخر الستينيات حين اندفعت، واندلعت الاستشراقات، والتنبّؤات العالمية الشاملة لمعالجة قضايا، ومشكلات، ومستقبل كوكبنا، بانورامياً، شمولياً، وإجمالياً، والمحطة الثانية هي بداية الثمانينيات، حيث نضجت، وتبلورت طروحات المشكلات الغلوبالية (الكوكبية)، وتنظيرات النظام الدولي/العالمي إلى بدايات عصر الفضاء، وظهور الأقمار الصناعية، وافتتح عصر الاتصالات الفضائية، والتعامل مع كوكب الأرض ككوكب تفاعلي تطبيقي متلاحِم، والمرحلة الأخيرة في التسعينيات حين بدأ نَشْر العولمة ومحاوَلات أمركتِها: (بوش والنظام العالمي الجديد في أجواء عولمية).
أما العولمة الآن فهي، كما أكد النقري، عولمة إجمالية كلية شاملة مركَّبة، وعولمات فرعية تفصيلية مازالت تتناسل وتتكاثر في أُطُر وعناوين كبرى: المجتمع والطبيعة، والعلاقات الاجتماعية المتبادلة عالمياً ومحلياً، والبُنى التحتية والإنسان.
وحاول النقري البحث في أصل مصطلح العولمة، ومحاولة تمييزه عن غيره من المصطلحات المشابهة، بالاعتماد على جذور المصطلح في اللغة العربية، وقابليتها للنحت والاشتقاق، وشدد النقري في محاضرته على أن العولمة/الكوكبة في اللغة العربية هي مقابل كلمة واحدة محدَّدة تماماً، ووحيدة هي globalizatsia-globalization وما إلى ذلك في لغات عالمية أوروبية أُخرى، وهي ليست من أصل كلمة عالم أساساً، حيث لا فِعل ولا مصدر لها لا في الروسية، ولا الانكليزية، أو الفرنسية (حتى لو وُجِد الفعل والمصدر)، فالدلالتان متبايِنتان، وها هي أسماء “العالَم” بالروسية، والانكليزية، والفرنسية موجودة منذ القديم، ولم تتحوّل إلى عولمة– لا عندنا ولا عند غيرنا بمدلوله المعاصر- على الرغم من مرور العقود والقرون، مثلما أن كلمة عالم موجودة في العربية منذ آلاف السنين، ولم تتصعَّد إلى عولمة: لا مصدر ولا فعل هنا أيضاً قبل التسعينيات، فمصطلح العولمة (والأدقّ هو الكوكبة) مقابل تقريبي إجرائي لمصدر globalization globalizatsia تحد مِن جذر globe أو غلوبوس globus أي هيكل أو مجسَّد/مجسَّم الكرة الأرضية أو كوكب الأرض، والرديف الوحيد لهذا المصطلح أجنبياً هو المستَخْدم بدورِه– فعلياً – في أدبيات العولمة ومرجعياتها.
كما أشار المحاضر إلى الصِلات الوطيدة بين العولمة المركبة– وتفرعاتها- من جهة، وسابقاتها ونظيراتها الشقيقة- من جهة أخرى: النظام الدولي/العالمي الجديد وتفصيلاته، وأيضاً: المشكلات الغلوبالية (الكوكبية) الكل وأجزاء ضرورة، وأكد النقري ضرورة عدم الاكتفاء بمواقف الرصد، والفرجة، والتوصيف تجاه العولمة، بل الأهم هو التفاعل والتجاوب، والاستجابة: لزوم موقف الاستيعاب، والفهم السليم، والفحص، وضرورة المواقف، والمقاربات النقدية، والانتقادية لإظهار تلك الجوانب الزائفة، والمشوَّهة منه.
وختم المحاضر مؤكداً أن المنهجيات والمقاربات الأنسب لدراسة العولمة واستيعابها عمليات عصر العولمة وظواهره ومجرياته هي: التركبية، والمنظومية– وتداخلية /تفاعلية/تعددية الاختصاص.
الثقافة