ملتقى النحت الأول ينطلق في طرطوس…. “من وحي المقاومة ” عنواناً.. و”الشيخ بدر” مكاناً..والمجاهد “صالح العلي” رمزاً
على الأرض السورية كانت اللبنة الأولى لفن النحت الذي اعتبرته البشرية الفن الموازي للإنسان والجامع لفنون الرسم والهندسة والتصوير لأن فيه من الحركة والموسيقى والمضمون ما يسمح له بتخليد ثقافة وقيم الحضارات والشعوب حتى بعد زوالها، وما تغص به متاحف سورية ومتاحف العالم من أوابد تركها أبناء الشرق في هذه البقعة الجغرافية من العالم، ما هو إلا دليلٌ على أهمية هذا الفن وأهمية موقع سورية الغنية بمدارس النحت التي أضافت للبشرية الشيء الكثير وأسهمت في بناء التراث الإنساني العالمي فكانت التماثيل المكتشفة في بلادنا أحد أهم الأوابد التي رافقت العمارة ووثقت ونقلت حكايات وقصص المجتمع والإنسان.
من وحي المقاومة
نظراً لحاجة الإنسان السوري لثقافةٍ مضادةٍ يجابه بها ثقافة التكفير الدخيلة على مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا، وتكريماً لتضحيات الشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون كي يبقى الوطن عزيزاً كريماً، اختارت إدارة ملتقى النحت الأول في طرطوس (من وحي المقاومة) عنواناً للملتقى، واختارت المجاهد الشيخ صالح العلي صاحب المدرسة الوطنية في المقاومة والجهاد رمزاً لتجسد أعمال النحاتين المشاركين في الملتقى من خلال ثورته وتضحياته مع رفاقه من المجاهدين ثقافة المقاومة التي يحتاجها الوطن الآن أكثر من أي وقتٍ مضى.
باستمرار الثقافة يستمر الصمود
وفي وقفة مع مدير الملتقى الفنان أكثم عبد الحميد حدثنا أن الهدف الأبرز للملتقى توزيع النشاطات الفنية خارج مدينة دمشق كي يتاح للساكنين الاطلاع على الثقافة البصرية وتفعيلها وخلق حالة من التلاقي والتعايش مع مراحل إنجاز العمل بينما تأخذ الكتلة الحجرية جمالها الآخر ليكون الناتج الإبداعي مادة تزيينية ترفع القيمة الجمالية للمكان وتتيح لسكان المنطقة التعرف على آلية إنجاز العمل النحتي لأن الناس تتعرف على هذا الفن من خلال المتاحف والمعارض فقط. وعن القيمة المضافة لهذا الحدث الفني أكد عبد الحميد أن استمرار الثقافة هو بحد ذاته استمرار للحياة والصمود والمقاومة عند الإنسان السوري في مواجهة الفكر الوهابي الذي أتى ليمسح ثقافة عمرها آلاف السنين.
إضافة سياحية وثقافية
ويعتبر النحات علاء محمد أن الملتقى يحاول من خلال الفن إحياء حالة المقاومة في النفوس للتعبير عن الإبداع في تجسيد هذه الحالة من خلال أعمال نحتية تعطي لمنطقة الشيخ بدر معقل المجاهد الشيخ صالح العلي بعداً ثقافياً وفكرياً وسياحياً هاماً، خاصة وأن هذه المنطقة شكلت أحد أهم معاقل الثورة السورية، والشرارة التي انطلقت منها الثورة ضد المستعمر الفرنسي فكان لزاماً على الفن أن يعطي البيئة التي خرج منها المجاهد الشيخ صالح العلي حقها في إبداعه فاخترت عملاً نحتياً (قياس 2,85×2,85م) يجسد إنساناً مقاوماً وهو يخرج من الصخرة حاملاً شعلة النصر.
تكريم الرموز يرسخ المقاومة
أما النحات عيسى سلامة فأوضح أن تكريم الرموز والشخصيات الوطنية التي تركت بصمتها في تاريخ سورية المعاصر من شأنه أن يرتقي بحالة الصمود إلى أقصى مدى، وإن اختيار المجاهد الشيخ صالح العلي فلكونه شكل على مدى عقود من الزمن رمزاً ثورياً وحالةً وطنيةً ترسخت في الذاكرة الجمعية للسوريين، لما بذله هذا القائد الفذ من تضحيات حفاظاً على وحدة التراب السوري حتى حصلت سورية على استقلالها، وهذا ما سيجسده سلامة من خلال منحوتة قياس 2×1 م تمثل معركة وادي جهنم التي استطاع فيها الشيخ صالح ورفاقه إلحاق أفدح الخسائر بالجيش الفرنسي الغازي في حينها.
الفن بندقيتنا
وأكد النحات وضاح سلامة على أهمية خلق حالة من الحوار الثقافي والتلاقي بين الفنانين، لأن من واجب الفنانين التشكيليين قبل غيرهم محاربة الفكر الظلامي بسلاح الثقافة، ليكونوا قولاً وفعلاً رديفاً للجيش الذي يقدم الدماء والتضحيات وتحسين الذائقة الفنية والثقافية للجيل من خلال رؤية بصرية معبرة تستمد مكوناتها من الواقع المعاش. ويحاول سلامة من خلال منحوتته التي تمثل رأس النسر السوري تأكيد رمزية المقاومة بعد أن تم دمجه بقاربٍ فينيقي يمثل الحضارة السورية، وفي الوقت عينه ربط كلا الرمزين بالبحر ليكون العمل إضافة لفحواه الثقافي منطلقا من وحي البيئة.
الفنان والجندي توءمان
وعن مشاركته تحدث هادي عبيد قائلاً: أحاول التعبير من خلال منحوتة بقياس2×1م عن معنى الشهادة والشهداء فاخترت أقنعة تمثل قوافل الشهداء الذين سطروا بدمائهم أروع الملاحم، وكتبوا أسماءهم على صفحات التاريخ بأحرف من ذهب، والفنان السوري هو توءم للجندي السوري الذي يقدم التضحيات والفنان يخلد التضحيات لتبقى ماثلة على الدوام في عيون الأجيال القادمة.
الفن شريك المقاومة
بينما اعتبر الفنان علي سليمان من طرطوس أن اختياره لمنحوتة تمثل نهوض الشباب والأمة هو محاولة لترسيخ فكرة المقاومة التي تحتاجها بلادنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن الفن بما يمثله من حالة جمالية تحاكي عين المتلقي وعقله، يفرض على الفنان أن يقف مع قضايا أمته خاصة في ظل الحروب والأزمات الكبرى، فكيف إذا كان ما يواجهها الآن حرباً كونية شارك فيها الأعداء ومن كان يفترض أنهم إخوةٌ و أشقاء.
هذا وينتهي الملتقى الذي انطلقت فعالياته أمس الأربعاء في مدينة الشيخ بدر برعاية من وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل تزامناً من الاحتفال بعيد الجلاء حيث سيصار إلى تكريم الفنانين المشاركين وهم عشرة فنانين: أكثم سلوم، علاء محمد، علي سليمان من طرطوس، محمد بعجانو وأبي حاطوم من اللاذقية، فؤاد أبو عساف من السويداء، وضاح سلامة وهادي عبيد من دمشق.
طرطوس– روبيل صبح